الأحد 05 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قراءة في رواية لاعب الشطرنج 1972، للكاتب النمساوي ستيفان زفايغ.. - ثابت المرامي
الساعة 22:23 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

رواية تتركك بلا نهاية محدودة , ورطة حقيقية في أن تظل تبحث عن نهاية لهذه القصة ولا تجد سوى تفكيرك وما فهمته 
 في نص كهذا , لكل قارئ فكر و زاوية محددة للقراءة  !!
في الرواية عالم من التفاصيل تنتظرك , ولن تخبرك عن نفسها , بل هي بين خبايا الرواية وبين ثنيات الحروف , فهل تستطيع التعمق والتأمل كي تجدها , فغاية هذه الرواية ليس قراءتها فقط , بل التفكير فيها وماذا تريد منك حين تمرها
توكئ الراوي على غواية السرد لشل فكر متلقية وجعله تابعاً جل همه الوقوف على نواصي الخاتمة كي يفهم , والتي عمد الكاتب إلى عدم تسليمها بل جهد بين الفينة و الأخرى على التلويح بها وهي فاعلية قلما إستعملها راو آخر , و ترك خطوط إيهاميه و إيحائيه متفلته بقصديتها 
روايه تحمل استمراريتها في جوفها ، ليس فقط بسبب بساطتها ولا وفق ما تحمله من رمزيات واضحة ربطت بين حروب من بيادق وقلاع وفرسان خشبية وبين  الحروب الحقيقية التي تزلزل العالم منذ قرن بقنابلها الحارقة وصواريخها المدمرة ، بل أيضا بسبب ما حملته من رمزيات شديدة العمق في تحريك تلك البيادق من خلف الكواليس  ، ينزلق القارئ فوق أرض معانيها المنحدرة إلى أشد مشاعر الإنسان خصوصية وغرابة حين يمر بوضع معين في حياته مباشرة أمام حقيقته ، فجعلته يواجه نفسه وحيداً في غرفة مظلمة ، ثم سحبته من جحيم الوحدة إلى قسوة العقل الإنساني  ، لترسم الرواية أشد المواجهات النفسية والوجودية قسوة في مواجهة بين الحياة والعقل ، بين الوجود والمنطق ، وصدام حاد بين الشعور ومخ الإنسان
 بعد الولوج في علائق الحكاية المروية والتي بدأت على متن سفينة أبحرت توّاً من ميناء نيويورك  متجهة في رحلة قد تدوم لأكثر من عشرة أيام إلى بيونس أيرس ، حيث المصادفة جمعت الركاب ببطل عالميّ في لعبة الشطرنج ، تورد الحكايات أنه رجل فاشل في كلّ شيء إلا في هذه اللعبة ، التي تعتمد أولاً وأخيراً على ذكاء اللاعب 
(من بين كل الألعاب هي اللعبة الوحيدة التي اخترعها الإنسان للتحرر تماماً من استبداد الصدفة وعدم منح إكليل السيادة إلا للذكاء البشري)
وهذا ما حدا بأحد الركاب المهتمين بدراسة مثل هذه الحالات إلى إطلاق كمٍّ من الأسئلة المباحة حول شخصية هذا اللاعب وكيف كانت حكايته من الصغر من طفل لا يجيد حتى القراءة والكتابة إلى بطل عالمي يجني نقود لعبته , وعلى سبيل المثال لا الحصر (هل يوجد في دماغ الإنسان جيب أو فتق ما ، يجعل من المرء محترفاً في شيء على حساب كلّ شيء)
إلى التدرج الحكائي إفتعالا بإستجرار البطل إلى لعبة تحدّي بأن يلعب ضدّ الجميع مقابل رهان ، واتفق معهم بأن يترك لهم بين كلّ نقلة ونقلة مدة عشرة دقائق يتركهم للتشاور حول نقل حجرهم ، حيث يمنى الجمع بخسارةٍ سريعة أمام البطل ، وهو ما أشعل حماستهم أن يجرّبوا حظهم مرّة أخرى انتقاماً، ويعاودون الكرّة ، وبينما هم يتفقون لنقل حجر، يتدخل زائر قريب، يرجوهم ألا يفعلوا ذلك، ويعلمهم بخسارتهم التالية في حال حصل، وفي أيّ حال هم خاسرون . فاقترح لهم نقلة أخرى تجنّبهم الخسارة وتخرجهم من الورطة متعادلين ، وهذا حلم بالنسبة إليهم , وبالفعل يتم النقل حسبما أراد ليأتي البطل ويرى النقلة العجيبة ، ثم يقلب الطاولة معلناً خسارته، لكنه أيقن أن دخيلاً ما فعل هذا.
رصد زفايج الأنفاس ودوّنها كما هي ، الخسارة ، الربح ، القيظ ، الشماتة ، بمقدرة جعلت من القارئ مشاركاً أساسياً داخل النص  ، لدرجة إلى أنه ( أي القارئ ) كان قادراً على الاحتجاج من خارج النص ، من خلال الفضول والأسئلة , من يا ترى ذلك الدخيل الذي هزم البطل ، أنه يجرّنا نحو أماكن أخرى نجد فيها أبطالاً يقهرون الأبطال وهم مغمورون ، بعيداً عن الأضواء لا تعرف حكاياتهم واساليبهم وكيف يا ترى حكايتهم وكيف يديرون الأشياء خلف ستار ما فائدة عدم الظهور ، ما , وما؟
ليصبح البحث عن البطل الجديد ومعرفة سرّه ، وبعد لقاءٍ منفرد مع الوسيط (الحاكي ) يبوح اللاعب السري بكل ما يعرف ، وهو الذي كان معتقلاً لدى السلطات النازية بتهمة التخابر مع ملك النمسا آنذاك ، يستطيع بعد شهور أن يسرق كتاب من جيب أحدهم في غرفة التحقيق أملاً بكسر عزلة الزنزانة وقهر التعذيب النفسي والجسمي داخل السجن ، ليفاجأ بأن الكتاب ليس رواية أو شعراً إنما هو لتعليم الشطرنج وهو مبهم الرموز، وبعد قراءات متتالية استطاع فكّ شفراته ، وبدأ بتطوير اللعبة وكان بداعي أن ليس لدية غير هذا الكتاب يبعده عن حالة الجنون التي يمر بها داخل السجن وهذا بدورة يأخذنا الى 
أن الحياة قد تأتي عليك بسوء كثير وتضطر لتعيش حياة قد لا تخرج منها سيلم الجسد والنفس وإضطراراً عليك البحث عن وسيلة لتنفرد بعقلك وتبعده عن العذابات التي تكون في الحياة تحت أي وضع مؤلم قد يمررك للجنون الحتمي  
 كوجوده لاعب الشطرنج السري في الرواية حين كان في السجن واضطراره لقراءة هذا الكتاب , وفيه فكرة انك وضعت في موضع سيء قد يقودك للجنون اذا لم تستغل الوقت بشيء ما قد يعود على حياتك بفائدة قد لا تدركها وقتها  
ان تتحدى نفسك وتلعب على نفسك للاستفادة من لعبه تخرجك من وحدتك ومن عالم التعذيب والجنون إلى حالة تتحدى نفسك ووقتك
وهنا يتدخل الراوي مرة ثانية ليلعب على وتر القارئ ، وذلك باعتراف الرجل الذي استغنى عن الرقعة، وصار يلعب في رأسه مع نفسه ، وكان يطيل أمد اللعبة بالاستعانة بالكتاب، عندما يشعر بأنه سوف يفوز على أناه ، وبعد فترة شعر بالملل لتكرار اللعبة وهنا كانت الحكاية في أوجها عندما خرج من اللعبة مثل حكم، ليترك أناه تلعب مع دماغه وبينما هو وقف مراقب ، وتلك مرحلة جنون اللعبة ، والتي حدت به بأن يضرب أحد العسكر عندما قاطع المبارة بين دماغه وبين ذاته ، وربّ ضارة نافعة أودت به إلى مستشفى المجانين ، ليخرج منها بمساعدة طبيب بعدما زال خطره وأخذت ألمانيا النازية مملكة النمسا.
ثم ينقلنا نحو افتعال مبارة بينه وبين البطل العالمي ، وهنا ينسل الراوي ليترك قارئه صريع الحالة والترقب
لعب زفايج بمهارة فائقة ، على الحالة الحسّية للحضور المتابعين، متمكّناً من رصد أنفاسهم، وحركات عيونهم، ثم استطاع تدوين حساسية خسارتهم وفوزهم ، لا بقلم كاتب ، إنما بمبضع طبيب مشرّح ، هذه الفعالية جعلت من النص يرتقي إلى مصافي المرويات التي تحتاج إلى طبيب نفسيّ ، أكثر من ناقد يقوم بتفكيك النصوص .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24