الجمعة 26 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
منصور هائل وأطياف عدن هذيان الحطب2-2 - عبد الباري طاهر
الساعة 14:05 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

يرى في مقتل عبد الفتاح إسماعيل على يد أحد رفاقه قمة الغدر، ويقرأ في الواقعة شاهد الصراع العريان المجرد من كل القيم الوطنية والأخلاقية والإنسانية. يستشهد بما كتبه على الصراف الباحث العراقي المتعاطف مع الثورة في الجنوب والتي انتهت إلى صراع قبائل وبدو دمر التجربة. ويستشهد بما كتبه عبد الله عوبل الأمين العام لحزب التجمع الوحدوي الذي اعتقل في أحداث يناير لعام ونصف. يكتب أنه كان يتوقع تجاوز كارثة يناير بلقاءات التسامح والتصالح، ولكن الكارثة تكررت عام 2018 بمقتل بما لا يقل عن 300 قتيل خلال 24 ساعة؛ فكيف لو استمرت أسابيع؟

كل الحروب التي خاضها الجنوبيون لم تحل مشكلة، بل كانت تؤسس لحروب جديدة. ويذكر بحرب الجبهتين: القومية، والتحرير عام 67، ويأتي على ما ذكره البروفسور حبيب سروري أحد شهود الحرب، داعياً إلى دراستها، ويؤرخ لرحيل الشيوعيين والمتواجدين من البلدان العربية والاتحاد السوفيتي، ويدون ما كتبه عبد المنعم الأعسم وعبد الكريم كاصد من الحزب الشيوعي العراقي، وهو شاعر وأديب.

يأتي على ذكر محاولة تدوين شهادات البعض من شهود هذه الحروب العبثية، ورغم الوعود المتكررة إلا أنهم تراجعوا عن وعودهم، قائلين: "مش وقته!".

ويقرأ المبدع منصور كعب أخيل في الحروب اليمنية المستدامة والمتناسلة بالإفلات من العقاب. ففي كل الحروب اليمنية شمالاً وجنوباً يفلت القتلة من العقاب، ويعيدون القسمة، وتوزيع الأنصبة والحصص. وأضيف هنا منذ بدء الحرب 2014 دعت مؤسسات مجتمع مدني وشخصيات عامة، كما دعا المجلس الأعلى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة ومحايدة تحقق في كل جرائم الحرب إلا أن أطراف الحرب وقوى التحالف، وتحديداً السعودية، حالت دون ذلك. وقد قامت الباحثة بشرى المقطري في كتابها الراصد المهم (ماذا تركت وراءك؟) بما لم تقم به الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني اليمنية.

يدعو المفكر العبقري إلى دعوة تصفية شاملة ونهائية لكل نزاعات الماضي التي لم يتم تسويتها بالطرق السلمية، ولن تتحقق هذه التسوية إلا من باب حوار الإرادات الجادة والحوار بما هو إرادة المصير المشترك، وبما هو قوة الفكر، وليس فكر القوة، وبما هو الطريق الأمثل لتوليد ثقافة المصير المشترك، والانفتاح على الآخر، والقبول بالاختلاف. يقدم وصفاً دقيقاً لأطياف عدن عقب أحداث يناير، ويتناول انهيار التجربة الثورية، مؤكداً على الأثر العميق الذي تركته، ويعقد مقارنة بين تجربة اليسار السياسي، معترفاً بأخطاء اليسار، مستشهداً بما قاله العلامة سعيد ناشيد:" أما الإسلام السياسي بنسخته الجهادية المسلحة فسوف يخلف بعد سقوطه أرضاً ممسوحة من كل شيء؛ فلا أثر يذكر، ولا إرث يعتبر".

يدين الاعتقالات التي طالت الشباب أمجد عبد الرحمن، وعمر باطويل وآخرين، وتراخي الأمن، ومنع الإرهابيين الصلاة عليه أو تعزية أسرته، واختطاف الإرهابيين زملاء الشهيد أمجد عبد الرحمن هاني الجنيد وحسام الجنيد وماجد الشعبي، واقتيادهم إلى معسكر، وتعرضهم للتعذيب، ولم يتم إطلاقهم إلا بعد الضغط الشديد، مديناً تهافت الشرعية وهشاشتها، ويدون جرائم"إمارة كريتر" أكبر حي من أحياء عدن من تهديم المساجد، والمزارات، وفرض الإتاوات، وفرض الإرهاب علي الحي الآمن والمسالم، و"بلقنة" الحي، و"ملشنة" المدينة. وتوزع أحياء المدينة بعد التحرير، واستيلاء المقاتلين على جبالها وسواحلها: المعاشيق، وحقات مع جماعة هادي، وجولد مور مع عيدروس وشلال، وانتشار مليشيات المناطق والمنظمات الإرهابية من المليشيات والفصائل وأمراء الحرب والقاعدة وداعش، ولكل طرف مجال حكمه وسجونه.

يربط بين حرب 1934 بين اليمن والسعودية ببدايات التنقيب عن النفط، واقتطاع نجران وجيزان وعسير، مورداً نصاً للدكتور أبو بكر السقاف حول تزويد شركة كاليفورنيا لجيش الإخوان السعودي بالأسلحة والمعدات؛ ليصبح النفط عاملاً أساسياً في الحرب. كما يربط بين اكتشافات النفط وحرب 1988، ومن ثم قيام الوحدة .

يرى أن الدعوة للفدرالية في اليمن والعراق وليبيا في ظل الاحتراب والتفكك قد عبرت عن خيبة الأمل في قيام دولة القانون، ويقدم قراءة مائزة لهذا الإخفاق، ويدرس الحرب في اليمن بالثورة النفطية في الجوار، وصفقات السلاح بمئات المليارات في أمريكا وأوروبا، وأضيف روسيا، ويفند دعاوى حرب الحلف الذي تقوده السعودية والإمارات بالدفاع عن الشرعية.

ينقل عن كابالان قوله: "إن مستقبل اليمن المزدحم بسكانه ذوي الطبيعة القبلية سيمارس دوراً كبيراً في تحديد مستقبل السعودية، وربما كان ذلك متعلقاً الجغرافيا أكثر مما يتعلق بالأفكار".

ويربط بين هشاشة البنية الداخلية، وتدخل التحالف وعلاقته بالتركيبة القبلية والمدنية والدينية العاملة لدى الأطراف الإقليمية، ويشير أن الخلاف مع قطر قد زاد الأوضاع تعقيداً، وأن السعودية والإمارات يعملان على إضعاف اليمن، وأن الحرب قد أصبحت إقليمية بعد التدخل الإيراني والخليجي. وأضيف أن الدعم الأمريكي والبريطاني والفرنسي قد أعطاها البعد الدولي، وأنه بعد مضي أربعة أعوام من الحرب برز ضعف العاملين الإقليمي والمحلي لصالح الطرف الدولي.

ويربط بين التصرفات الإماراتية في الجنوب والنهج البريطاني إبان الاستعمار، ويشير إلى دور الإمارات في أرتيريا، وتحويلها ميناء عصب إلى قاعدة عسكرية، مشيراً إلى أنشطتها في الصومال وأثيوبيا.

يرى ببعد بصر أن الباب في اليمن قد انفتح أمام المقامرين غير المكترثين بمصائر الشعوب.

هذيان الحطب العنوان الفرعي في سرد الشهادة السياسية الصادقة الواقعية العميقة. هذا العنوان على فجائعيته وواقعيته السحرية هو مرثية تجربة الحزب الاشتراكي، ومرثية العمر الجميل، ومرثية يمن كان سعيداً، أوحلم ذات مغامرة؛ إنه العنوان الرائس لرواية كتبت أو اختطت أحرفها ومسارها ... إنه بشارة ميلاد سارد ورائع وواعد لن يخيب، لها طعم السحر، ومذاق الواقع.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24