الخميس 09 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عقدة التفوق في الأدب - هيثم حسين
الساعة 13:53 (الرأي برس - أدب وثقافة)


التفوّق الذي يفترض به أن يكون محطة من محطّات الحياة لا آخر محطّة متخيّلة، يصير غروراً عامياً، وعقدة تبطل أيّ حركة أو تقدّم لصاحبها القانع في أوهامه.

كيف تتفوّق على أقرانك في الكتابة؟ كيف تكتب رواية ناجحة؟ كيف تحقّق شهرة كبيرة في وقت قصير؟ كيف تصبح بطلاً في ميدانك يتردّد اسمك على كلّ شفة ولسان؟

هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي تدغدغ مشاعر الباحث عن الشهرة السريعة، توهمه بأنّ من السهولة بمكان تحقيق التفوّق والنجاح والشهرة والبطولة المتخيّلة عبر اتّباع خطوات معيّنة محدّدة للوصول إليها، وكأنّ الأمر عبارة عن معادلة رياضيّة بسيطة لا مجال للخطأ فيها.

يمكن توصيف أسئلة من هذا النوع بأسئلة الخيبة أكثر منها أسئلة محرّضة على الإبداع، أو أسئلة تروم البحث عن سبل لتعزيز الصناعة الأدبيّة وتشجيع المتردّدين على اقتحام غمار الكتابة والنشر بحثاً عن لذائذ متخيّلة لاحقة، مع تجاهل ما يحتاجه الأمر من صبر ودأب وحرص وتفانٍ وشغف يجمّل المشقّات ويهيّئ السبل لتجاوز العقبات الكثيرة على طريق تكوين الاسم في عالم الأدب والفنّ.

بالموازاة مع أسئلة التضليل بالتفوّق وكيفيّات التميّز والاشتهار، تحضر أسئلة أخرى من قبيل هل يمكن توصيف التفوّق بأنّه عقدة؟ هل يتحوّل ذاك الإيهام إلى عقدة لدى مَن يتوهّمون أنفسهم متفوّقين على أندادهم أو يتمّ إقناعهم بفقاعة مملوءة سذاجة وتسطيحاً للذات والآخر؟ هل عالم الأدب مضمار سباق حتّى يكون هناك متفوّق وآخر متخلّف أو متأخّر أو غير جدير باستحقاق التفوّق المزعوم؟

يمكن للغة أن تكون مراوغة بحيث توهم بالتعظيم في حين تخفي بين طيّاتها فخاخ المعاني المنفلتة من سياق التقييد، وقد يتحوّل التوصيف بتفوّق هذا الكاتب أو ذاك إلى قناع يعمي صاحبه، بحيث يقعده عن التجريب والبحث عن التجديد، ويوهمه بأنّه متقدّم في الكتابة والتأليف، وعليه ألّا يلتفت إلى الآخرين الذين سيحتاجون إلى أوقات طويلة للوصول إلى مستواه الخارق.

قد تنقلب بعض الأضواء التي يتمّ تسليطها على أدباء أو فنّانين (وربّما أديبات وفنّانات بشكل أكبر) تقاطعت ظروف ومصادفات بعينها على تحقيق بعض الشهرة أو النجاح لبعض أعمالهم إلى النقيض حين ينجرفون في سيل كيل المدائح للذات، والتعامي عن أيّ رأي مختلف، أو أيّ نقد موضوعيّ، ويكون اتّهام الآخرين بالحقد والحسد والضغينة حاضراً وكأنّه أمر بديهيّ، وكأنّ المتفوّق أصبح في مرتبة أعلى من أيّ نقد أو اختلاف، وذلك على اعتبار أنّه وصل إلى ما وصل إليه بناء على فرادته وتفوّقه الذي لا يُجارى.

وهنا مهوى الإبداع، فالتفوّق الذي يفترض به أن يكون محطة من محطّات الحياة لا آخر محطّة متخيّلة، يصير غروراً عامياً، وعقدة تبطل أيّ حركة أو تقدّم لصاحبها القانع في أوهامه الفقاعيّة التي تتكّفل سهام الزمن بفقئها ودفعها إلى ركن النسيان.

لا يخفى أنّ التفوّق مراد كلّ امرئ في مجاله، ويحمل لذّة كبرى حين يتحقّق، لكن الخطر أن ينقلب إلى نقيضه، ويصبح قيداً يعطّل طاقة الإبداع المنتجة لدى صاحبه، فيغدو تلفيقاً وتلطّياً خلف سراب الأضواء المضلّلة لا غير.


كاتب سوري

منقولة من صحيفة العرب...

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24