الجمعة 03 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عبد الباري عطوان
صمود قوات الدولة الإسلامية في عين العرب
الساعة 11:30
عبد الباري عطوان

 

صمود قوات “الدولة الاسلامية” في “عين العرب” يصيب القيادة الامريكية بالاحباط والسورية بالسعادة وان ادعت غير ذلك.. والاستغاثة بالعرب لاستعادة “اراضيهم” لن تجد آذانا صاغية

 

كثيرة هي التصريحات الغريبة التي تصدر عن الحكومة السورية في دمشق، ولكن البيان الذي صدر يوم امس عن وزارة الخارجية السورية واعتبرت فيه دخول قوات البشمرغة الى “مدينة عين العرب ـ كوباني” يعتبر واحد من اغربها، هذا ان لم يكن اغربها،  فالبيان المذكور وصف عبور هذه القوات الحدود الشمالية مع تركيا الى المدينة بأنه “تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد وانتهاك سافر للسيادة السورية”، وانتقد بشدة الدور التركي المتواطيء والداعم لهذا التدخل.

 

مصدر الغرابة ان هذا الانتهاك ليس جديدا، ولا مفاجئا، في ظل تدهور الاوضاع في سورية وحالة الفوضى التي تسودها منذ اربع سنوات تقريبا الايام فلم يبق احد لم يتدخل فيها وشؤونها الداخلية وتنتهك سيادتها بطريقة او بأخرى: دول الخليج التي تضخ مليارات الدولارات لدعم المعارضة وتسليحها، والسلطات التركية التي حولت انطاكية المحاذية للحدود الشمالية الغربية السورية الى “بيشاور” اخرى لعبور المقاتلين والاموال الى العمق السوري، على غرار الدور الباكستاني في حرب “المجاهدين” الافغان لاخراج القوات السوفييتية من بلادهم، وفوق هذا وذاك طائرات التحالف الامريكي الجديد التي تسيطر على الاجواء السورية وتشن غارات مكثفة على مواقع “الدولة الاسلامية” وتجمعاتها، فلم تبق دولة في الغرب الا وارسلت طائرات حربية، طالما ان لا خطر عليها وطياريها سواء في الجو او من الارض، فهي طلعات تدريبية آمنة، والضحايا عرب مدنيين كانوا او من مقاتلي “الدولة”.

                                                  ***

مدينة “عين العرب ـ كوباني” التي لا يزيد عدد سكانها عن ثلاثين الفا في طريقها لكي تتحول الى “ستالينغراد” اخرى، فمنذ شهر ونصف الشهر تقريبا والطائرات الامريكية في الجو والقوات الكردية على الارض تحاول منع سقوطها في ايدي قوات “الدولة الاسلامية” الزاحفة نحوها، دون جدوى رغم الفارق الكبير في العدد والعتاد.

 

عدم نجاح القوات المدافعة عن المدينة في اعادة السيطرة عليها، وفشل الطائرات الامريكية في وقف تقدم قوات “الدولة الاسلامية” يؤكد دون اي تردد بأن التدخل العسكري الامريكي ما زال يدور في المربع الاول ولم يعط نتائجه المرجوه، او هكذا نعتقد، ومعنا الكثير من الخبراء والعسكريين الغربيين وغيرهم.
ارسال 400 جندي من قوات “البشمرغة” وفوقها العدد نفسه من قوات الجيش السوري الحر لا نعتقد انه سيغير معادلات القوة على الارض، بل سيشكل احراجا كبيرا لكل هذه القوى التي تقف خلف التدخل العسكري الارضي، سواء بفتح الحدود مثلما هو حال تركيا، او بارسال القوات والمعدات مثلما فعلت قيادة “دولة” كردستان العراق.

 

لا نعتقد ان البيان السوري الرسمي المندد بهذا التدخل العسكري الارضي يعكس المشاعر الحقيقية للقيادة السورية، فاندلاع المواجهات العسكرية بين اعدائها هو خبر سار بالنسبة اليها، جاءها دون ان تحتسب، ومن غير ان تبذل اي مجهود للوصول الى هذه النتيجة.

 

ولا بد ان القيادة العسكرية الامريكية تشعر بالاسى في الوقت نفسه، وهي ترى مدى ضعف حلفائها الذين يقاتلون “الدولة الاسلامية” في المدينة ذاتها (كوباني) وعدم قدرتهم، ورغم اطنان الاسلحة الحديثة التي القتها عليهم من الجو، والتعزيزات الاخرى، على حسم المعركة لصالحهم.

 

وربما نستشف هذه المشاعر الامريكية المحبطة من التصريحات التي ادلى بها اليوم (الخميس) الجنرال راي اوديرنو رئيس هيئة الاركان المشتركة في الجيش الامريكي في حديث لمحطة الـ”سي ان ان” وقال فيها “ان مهمة قتال تنظيم “الدولة الاسلامية” على الارض ترجع للعراقيين والسوريين والعرب، لان تلك بلدانهم وعليهم استعادتها من جديد”.

 

واوضح، هذا هو الاهم “ان الجنود الامريكيين ليسوا متطوعين، وهم يتلقون الاوامر التي نصدرها لهم ونحاول تجنيبهم المخاطر والحفاظ على معنوياتهم ومعنويات عائلاتهم، ونفعل كل ما في وسعنا لحماية جنودنا”.

 

نبشر الجنرال الامريكي بأن الحكومات العربية لن ترسل قوات لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” وقواته على الارض وهزيمته خاصة بعد ان شاهدت صمود هذه القوات وقتالها الشرس في “عين العرب”، والحاقها خسائر كبيرة في صفوف القوات الكردية المدافعة عنها وبعد ان تابعت انهيار قوات الجيش العراقي امامها وهروب ثلاثين الفا من جنوده قبل وصولها، اي “الدولة”، الى حدود مدينة الموصل خوفا ورعبا، والشيء نفسه يقال ايضا عن قوات البشمرغة.
                       

                                            ***

الحكومات العربية يمكن ان ترسل طائرات حربية لالقاء بعض الصواريخ على آبار ومصافي نفط، وبهدف “الاستعراض الاعلامي” لا اكثر ولا اقل، اما ان ترسل جنودا فهذا من عاشر المستحيلات لان معظم هؤلاء الجنود قد لا يعودون الى بلدانهم، وان عادوا ففي حقائب بلاستيكية سوداء.
لا نضيف جديدا اذا قلنا ان امريكا تورطت ورطة بلا قاع في سورية والعراق، ولا بد ان السلطات السورية تعرف هذه الحقيقة جيدا، وتفرك يديها فرحا، وهي ترى ان هذا المأزق الامريكي والعربي يتعمق، واعداءها يتقاتلون، فسيمر وقت طويل حتى يصفي هؤلاء حساباتهم مع بعضهم البعض قبل ان يلتفتون اليها.

 

الغالبية الساحقة من الذين تدخلوا ويتدخلون في الازمة السورية خاسرون حتى الآن، سواء بالمال او السلاح او فتح الحدود، وهذا لا يعني ان السلطات السورية ليست من بين الخاسرين، ولكنها ربما تكون الاقل خسارة في الوقت الراهن على الاقل، اما المستقبل فلا احد يستطيع التنبؤ به ومفاجآته وما اكثرها، ولهذا نستغرب بيان وزارة الخارجية السورية.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24