الجمعة 03 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
حمير علاية
السّنوات الصرعى
الساعة 16:31
حمير علاية

إنّ حركة الثقافة والتعليم التي كانت في العالم العربي، (لن نختلف على مستواها)، كان يجب أن تستمر، وبقوة دفع مجتمعية تقودها النّخبة، وبإصرار، تتعاظم معه الرّوح المجبولة على البحث والاستكشاف، لا خذلانها، بالتخلي عنها، والانتحاء نحو أوهام، لم يكن لها إلا أن تترك ذاتها، يرافقها سوء لا تطيقه الأرض.

الطالب الذي تحتفي بلاده بتخرجه من الثانوية أكثر من يوم زفافه. الوزير الذي ينزع إلى حضور الأماسي الشعرية، وقراءة النتاج الأدبي والفكري. الأستاذ الجامعي على منصّته يحاضر عن حقب التاريخ. العالم المتخصص في معمله العلمي، تحترق أصابعه بتجربة يحاول إثباتها. الأستاذ الذي يشرح درس الرياضيات في قرية من قرى بلد عربي، كأنْ يكون العراق مثلاً. عالم الذرة وخبير التصنيع. رجل الاقتصاد الذي أفنى عمره في الدراسة والتأليف وتقلد المناصب.

هذه القوة الفاعلة في عمق الوجود الإنساني والحضاري، كانت تحتاج إلى مزيد من الاستقرار المجتمعي لخلق رديفتها، بفعل سيروري تراكمي حتْمي، هو وحده ما يتقدّم بالشعوب. ووحده صوت العقل يُحدث التحوّلات، لا خرير الدماء.

في الشام حرب تاريخية منزوعة الملامح غير مسبوقة.
في ليبيا المغروزة في رمال الصحراء، واليمن التي تموت في حضيض الإنسانية.

بلداننا باتت قبوراً مفتوحة، لا قبر يعلم عن قبر. في بلاد حمورابي والمأمون والرشيد وزرياب، حضر الدم كقوت حياة، فيما غاب شارع المتنبّي، وغابت معه تلك الفتاة التي كانت تحمل الكَمَنْجة على كتفها، وتعزف وَسَطه.. أو قُتلتْ.

تمثال أبي الطيب المتنبي الذي نسف بديناميت في بغداد، ورأس تمثال أبي العلاء المعري الذي قُطع بعد صب وابل من الرصاص عليه في معرة النعمان بسوريا، لم يكونا سوى إشعار، بأنّ هذه الحقبة ستكون هكذا. بهذا اللون، وهذه الرائحة.

شكري بلعيد ومحمد البراهمي وجدبان وشرف الدين والمتوكّل، وقبلهم حسين مروة وفرج فودة ونجيب محفوظ.. هؤلاء لم يكونوا يُستهدفون بأدوات القتل رصاصاً وسكاكين كذوات، بل كأفكار. لا أحد منّا يعرفهم إلا القليل.. لا أحد يتذكّرهم، لأن تلقائية حركة الوعي لدينا أسهمت في قتلهم.. في قتل الفكر، والإبقاء على دائرة صراع حمراء اسمها السُّلطة، نتحلق حولها بشَغَف، فتلتهمنا حتى غور العدم.

الربيع والحكم الرشيد والديموقراطية والحرية والثورة وداعش والنصرة والجهاد وشعارات التثوير، وخطب أوباما من البيت الأبيض عن مستقبلنا الجميل، وتسليم العقول لردح إعلامي ضحل لا خطام له. كل ذلك السّوء، لم يكن موازياً لحركة ثقافية علمية تنويرية، أو دافعاً باتّجاهها، بل مقوّضاً لها بالضرورة، لعلبة الطبشور ومعمل الباحث، بل للبقاء برُمّته.

كنا نحتاج لفتح نافذة للضوء أخرى، لا إحكام مغاليقها، وتمزيق بنية العمل العربي بهذه النّصال. النّصال المتعدّدة المصانع والأشكال والأحجام.

لا شيء كان مفاجئاً إلا للسذّج، ومغسوليّ الأدمغة بفعل الإعلام أو القناعات المتشبّثة بجهالة.

 كل ما يحدث الآن أدركه قبل المتحرّرون من عُقُلٍ كثيرة. إدراك بمنطق العقل، والوعي بحقيقة الصراعات وتعاقب الحضارات، وفعل ضرب الأوتاد، أو اللحاق بالريح.
الادّعاءات فتكتْ بنا.

أرجوكم.. أعيدوا قراءة تاريخ الشعوب.
ربّما نتجاوز بمعجزة، السنوات الصّرعى.

ما أسمعه من حولي وأراه، يوجع القلب، ويحار له العقل.

يا إلهي!

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24