الاربعاء 08 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
د/عبدالله أبو الغيث
نقل الحوار اليمني إلى الحمري!!
الساعة 18:11
د/عبدالله أبو الغيث


    منذ خروج الرئيس هادي إلى عدن والقوى السياسية اليمنية ومعها وسائل الإعلام وعامة اليمنيين ليس لهم شاغل إلا الحديث عن نقل جلسات الحوار اليمني من موفنبيك صنعاء إلى مكان غير صنعاء. ومنهم من يقترح عدن أو تعز، بينما يذهب غيرهم لاقتراح مدن خارج اليمن مثل مسقط والرياض وأديس أبابا، وبتُ لا أستبعد أن يأتي من يقترح نقله إلى لندن أو طوكيو أو حتى الزهرة أو المريخ.. وكأن مشكلتنا فقط إنما تتمثل في مكان الحوار.
 

  يا سادتي لقد كنا نتحاور في صنعاء قبل دخول المليشيات الحوثية إليها وفرض سيطرتهم العسكرية عليها، واستطاعت الفرق التي شكلها مؤتمر الحوار أن تخرج لنا بما لو طبقناه لتمكنا من تحقيق الحلم المنشود لليمنيين في بناء دولتهم المدنية الحديثة، لكن كانت النتيجة هي ما وصلنا إليه، وهو وضع يفوق في سوئه الأوضاع التي من أجلها دخلنا مؤتمر الحوار، لأننا لم نجرم استخدام القوة والاستقواء بها، وهي المشكلة الحقيقية التي نعاني منها.

   لنفترض أننا نقلنا حوارنا الجديد (هو مجرد تفاوض ونسميه حواراً من باب المجاز) خارج صنعاء هروباً من الضغوطات التي تمارسها جماعة الحوثي على المتحاورين، هل ستنتهي تلك الضغوطات التي نهرب منها؟ طبعاً لا.. لأن تلك الضغوط لا تُفرض على الأشخاص المتحاورين لكنها تفرض على قيادات المكونات التي يمثلونها.

   فنحن مثلاً لن نكون قادرين على منع الضغوطات التي تمارس على حزب الإصلاح حتى لو انتقل مفاوضوه إلى المريخ، طالما بقى اليدومي وكبار قادة الحزب في صنعاء وتحت رحمة ضغوطات الحوثي.. فميليشيات الحوثي ستذهب وتختطف فلان أو علان لتجبر ممثلي الحزب في الحوار بالموافقة على ما تريد، وإذا أرادت أن تضيف بعض مشاهد الإثارة على عمليات الاختطاف تلك فلا مانع من اتهام أولئك المختطَفون بأنهم قاعدة أو دواعش أو حتى صهاينة وعملاء للأمريكان.

   إذاً، المشكلة ليست في مكان الحوار، ولكن في الآلية التي يدار بها الحوار، وكذلك في قبول الجلوس على مائدة الحوار في ظل وضع يتم فيه الاستقواء بالضغوطات المسلحة على الأحزاب السياسية، من غير أن تجرؤ تلك الأحزاب حتى على إدانة تلك الانتهاكات التي يتعرض لها بعضها، وتصمت إزاءها صمت أهل القبور.

   وعليه فإني هنا اقترح على القوى المتحاورة بنقل حوارهم إلى (قرية الحُمَري)، في عزلة القفاعة، منطقة المخلاف، مديرية شرعب السلام، محافظة تعز. فهي قرية كانت في يوم ما تعج بعنفوان الحياة، وكان شبابها يملؤون حافاتها ووديانها، حتى أنك وأنت تشاهدهم وهم يحتشدون أمام دكان العم عثمان في أيام العطل تحسب أن هذه القرية على صغرها إنما هي مدينة مكتظة بالسكان، حتى أن أهلها كانوا يشبهونها بحمراء الأندلس.

   كان معظم أهلها يعملون في بلدان الخليج (السعودية على وجه الخصوص)، وكانوا يرسلون الأموال لتعليم أبناءهم ولشراء مزيداً من الأراضي، حتى أن سعر قصبة (لبنة) الأرض في هذه القرية في ماضي أيام الزمن القريب قد فاق مثيلاتها في مدينة تعز أو صنعاء وغيرها من المدن اليمنية الكبرى، ولكن.. ويا لها من لكن.

   لكن الخراب سرعان ما حل في هذه القرية، بعد أن كبر الأبناء وذهبوا لمواصلة دراستهم في جامعات اليمن، واستقروا في تلك المدن بعد أن تخرجوا وحصلوا على وظائف فيها. وزاد من ذلك الخراب عندما تم طرد أبناءها المغتربين في الخليج وعادوا إلى قريتهم يتحسرون على الأموال الطائلة التي أنفقوها في شراء أراضي القرية، بعد أن صاروا لا يجدون من يشتريها منهم حتى بأبخس الأثمان. فقرر بعضهم شد الرحال إلى المدن التي يعيش فيها أبناءهم وأقاربهم، وبقى البعض الآخر في تلك القرية يصارع عوادي الزمن.. ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

   وهذا ما جعلنا نقترح نقل الحوار اليمني إلى هذه القرية (الحُمَري) لفوائد نبتغيها، خصوصاً بعد شعورنا بأن القوى السياسية إنما صارت تهزل بالشعب اليمني من خلال حوارها العبثي الدائر الآن، فقلنا لعل نقل حوارهم إلى هذه القرية سيعود عليهم وعلى الوطن وعلى أهل تلك القرية ببعض الفوائد.

   فهم في هذه القرية سيحصلون على أماكن إقامة مجانية توفر عليهم إنفاق بدل السفر والإقامة الذي يتحصلون عليه، ذلك أن معظم بيوت هذه القرية أصبحت خاوية على عروشها، وستكون فرصة أن تحييها الأطراف المتحاورة لفترة زمنية، نعتقد أنها ستطول، لأننا بتنا ندرك بأن حوار اليمنيين لا يراد له أن ينتهي، فعلى الأقل تستأنس بهم العجائز اللاتي صرن يشكلن معظم السكان المتبقين في هذه القرية.

   وهناك فائدة أخرى ستعود على الوطن اليمني جراء نقل حوار قواه السياسية إلى هذه القرية، فرحلة الانتقال التي مرت بها هذه القرية من عنفوان الحياة إلى حافة الخراب، ربما تجعل المتحاورين يأخذون العظة والعبرة، وتجعلهم لحظة صادقة مع النفس يقررون تجنيب اليمن من مآل يشابه ما صارت إليه (قرية الحُمَري) هذه.

   أخيراً: قد يعتقد البعض بأننا في القسم الأخير من هذا المقال إنما أردنا أن نسخر، ورغم أن ذلك ليس المقصود من كتابة المقال، لكنه سيكون ضحك كالبكاء إن فُهم كذلك، وربما ما جعلنا نمارس ذلك هو إحساسنا بأن نخبنا السياسية إنما صارت تمارس السخرية علينا وتعبث بنا.. واللي ما يعرفش الطب سيقول (حوار).

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24