السبت 27 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عبد الكريم المدي
المستشفيات .. تجربة شخصية مؤلمة ..!
الساعة 15:22
عبد الكريم المدي


 عبدالكريم المدي  أتذكّر إنني قبل عدة أشهر ظليتُ أستعطف وأناشد المعنيين في هيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء لنقل ابنة أخي ( حماس ) رحمة الله عليها ، للعناية المركزة لأن حالتها الصحية كانت متعبة وبقيتُ ثلاثة أيام أمترُ بلاط المستشفى طولاً وعرضاً ومتردّداً على مكتب رئيس الهيئة ونوابه ، ومع هذا لم أفلح في الحصول على أي لفتة إنسانية تجاه تلك المسكينة ، وبعد أن قمتُ بدفع مبلغ (25) ألف ريال مقدماً كرسوم للعناية المركزة ليومين أو ثلاثة أيام تم نقلها للعناية ، وقبلها ظللتُ - أيضاً - أتردّدُ على مكتب الرئيس ونوابه بخصوص تنفيذ اللائحة التي تؤكد على أن فحوصات وإشاعات ومعاينات مرضى الفشل الكلوي مجانية ومع هذا فشلت، وكنت أضطر إلى دفع كامل الرسوم كبقية الحالات.

أنا هنا لا أكشف مستوراً ولا أفاجىء أحداً ولا أشكو وضعية معينة ، أو شخصية لكنّي أتحدّثُ وأثير قضية عامّة يعاني منها كل من هو بمستوى طبقتنا الاجتماعية والمادية الغير قادرين أفرادها في الحصول على وساطة،أو الذهاب بمرضاهم للمستشفيات الأهلية، أو لأقرب مكتب خطوط طيران للحجز على أقرب رحلة نحو عمّان ،أو القاهرة أو برلين أو الهند ، أو غيرها ..

هناك حالات من اللامبالاة وموت للقيم وللرحمة وللمسؤلية في كثير من المستشفيات الحكومية تجاه صراخ وأنين المرضى ، في طواريد وبوابات تلك المستشفيات «المعتقلات البائسة».

قبل حوالي شهرين قمتُ بإسعاف ابني باسل للمستشفى وفي وقت متأخر من الليل ، وحينما وصلنا للمستشفى وجدنا حالات إنسانية فظيعة ،جعلتني أقتنع بأن حالة ابني - حفظه الله - بخير ، ولا يحتاج لشيء ، نظرا للأعداد الكبيرة للمرضى ونوعية الحالات المرضية والإسعافية ، وغياب الأطباء الذين يتعاملون مع تلك الحالات الطارئة ، وتخيلوا إني تأكدت بأم عيني أن هناك طبيباً مناوباً واحداً ومساعداً واحداً له وأمامهم (150) حالة مرضية طارئة، وهذا، طبعاً، في أكبر مستشفى بالعاصمة واليمن كلها ، وعليكم أن تقيسوا على بقية المستشفيات وتتخيلوا ما يمكن لهذا الطبيب، أو ذاك تقديمه في وقت واحد لعدد ( 150) مريضا أغلبهم حالات طارئة . طبعا وحينما يصل الدور على هذا المريض، أو ذاك ويحظى بلمحة من الطبيب أو مساعده الذي يباشره بوضع سماعة الأذن على بطنه أو رجله ، لا أدري، المهم يقوم بعدها فورا،بأخذ قصاصة من الورق الصغير ، ويكتب على معظمها مهدئات كإبرة فولتارين، أو ما شابه ، ليذهب بها المريض للممرضة الهندية في الغرفة المعفّنة نهاية الطارود، وبعد أن ينتظر لساعة أو أكثر يفاجأ من الأخت / الصديقة الهندية إنها تطالبه بالإبرة كي تقوم بضربها له ، وحينها يضطر للتخلّي عن دوره وخسارة ساعة أو ساعتين إنتظاراً ويغادرلخارج المستشفى كي يشتري هذه الإبرة ويعود مسرعاً للانتظام في الطابور كآخر مطوبروهو يرتجف من المرض والإحباط .يدخل مارثون الانتظار الممل ، ساعة ، أو اكثر بانتظار دوره، وحينما يصل دوره مرة ثانية يأتي حينها والممرضة الهندية التي اصابها الإعياء والتعب قداقتطعت لنفسها دقائق للراحة في غرفة أخرى ،وهكذا ينتظر لها لأن تفيق من غيبوبة التعب .وإذا كانت حالة المريض صعبة وتتوقف على ضرب تلك الإبرة ، على المرافق بعدها أن يذهب لتجهيز الكفن والقبر .

طبعاً هذا كله حاصل في أكبرمستشفى، في بلد مضى على قيامه بثورة ضد المرض والجهل والفقر والظُّلم أكثر من (52) عاماً ولكنه لم يحظ لليوم بطبيب يعاين الحالة المرضية لمرضاه الذين قامت الثورة باسمهم، المرضى الذين لليوم لم تحترم آدميتهم ويمنحون بشكل سلس حتّى إبرة فولتارين ،أو أنبوبة أكسجين صناعي ، كما هو الحال معي ، حيث عجزت أثناء اسعاف ابنة أخي في الحصول على أنبوبة أكسجين ،ولا أستطيع الآن أصف لكم ما هي الطريقة التي لجأ إليها الشباب الذين كانوا معي لمساعدة تلك المسكينة - الله يرحمها - على التنفس .. وهذه حالة واحدة أثق تماما إنها تنطبق على ملايين اليمنيين من شريحتي، فقط عليكم أن تعكسوها على بقية المستشفيات وعلى كل الناس وخاصة الفقراء الذين ليس لهم ظهر، ولا وساطة ولا فيتامين ( و) أو فيتامين إحدى العيون المبهررة ... عافاكم الله من كل مرض وجنّبكم من كل مكروه .!

وقفة أخيرة ، بعد أن توفيت ابنة أخي بالمستشفى لم يتم اعطاؤنا جثتها قبل أن نقوم بدفع مبلغ ( 50) ألف ريال لحسابات المستشفى ، وفي حال لم نقم بدفع ذلك المبلغ فإنهم سيتحفظون على الجثّة لديهم وكل يوم يمر من بقائها لديهم الحسابة بتحسب ، ومحسوب علينا رسوم الثلاجة ، سواء كان هناك تيار كهربائي ، أم لا، ومن يعجزعن دفع ما فُرِض عليه ، الله يعوض عليه وحينها تصير الجثة من حق المستشفى تقريبا..
السؤال : هل هذا منطق دولة ونظام وقانون وأخلاق وقيم وإنسانية...؟ ، ثم أين هو البرلمان وأين الرقابة؟.
وأين هيئة الفساد وأين المنظمات الحقوقية وأين المبادىء وأين مئات الملايين من الدولارات المخصصة كدعم حكومي وضعفها خارجي وأطنان الأدوية المقدّمة لوزارة الصحة ومرافقها ..؟

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24