السبت 04 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
إب .... وأشياء أخرى
الساعة 00:36
أحمد طارش خرصان


أتجول في إب متأبطاً رائحة فتىً ، اكتشف للتو أن أربعين عاماً تسربت من بين أصابعه، دون أن يدرك - كما يتحدث - كيف وصل إلى هذا العمر ممتلئاً بخيبات شعبٍ وأوجاع وطنٍ .

أتنقل بين أزقتها العامرة بأحاديث المطر وإيقاع البساطة ، مستعيداً اللحظة التي كنت فيها وإب وجهاً لوجهٍ، إذْ لا زلت أحتفظ- كغيري - بدهشة قروي ، عليه أن يكون ماهراً في رسم مشاهداته وتأملاته ،والتي ستتحول عقب مغادرته المدينة إلى مرويات وحكايات، عليه أن يعاود سردها لأقرانه مراتٍ ومراتٍ ، وبإضافات بريئةٍ ، لن يعدم الحجة لأن يحلف لهم أنه نسيها في المرات السابقة. 

في السوق القديم لن تخذلك المدينة ، وأنت تفتش في زوايا انطباعاتك السيئة عن المكان ،ما يمنحك الألفة وآخر صوت نزيه ، ترجّل عن صهوة منبر الجامع الكبير في مدينةٍ ... تذوقتْ للمرة الأولى مرارة فقْدها ، عندما خسرتْ - دون أن تعيَ -خطَّ دفاعها الأول برحيل عنوانها الأكثر وضوحاً الأستاذ محمد علي الربادي. 

تحتاج لأن تغوص في حياة إب ،أن تمتلك إحساس فنان مكتمل الملكات ، لتدوين مشاهد من حياتها... أسماء حاراتها.. أزقتها ..بداهة أبنائها وقدرتهم في تحويل الوجع إلى تهكمات ساخطةٍ وساخرة.

ولا تنسَ المدينةُ أن تمنحك مشهداً رافضاً لرجل مسنٍ ، مازال باب دكانه الفارغ مشرعاً لعبور تحايا ونظرات المارة , والتي لن تكون قادرة على محْو هاجسه العامر بنتوءات الفقدان والسأم المُملّ ، متى حرَّكتْه لحظة رثاءٍ عابرةٍ ، تقافزت من عيني زائرٍ ، أدمن التجوال في مدينةٍ ... ما زال يحتفظ لها بإيقاع ودٍّ ورفقةٍ جيدةْ .

في ذاكرة أحمد قاسم دماج - ذلك المناضل النزيه، والوطني العتيد-حكايات ومرويات عن إب ، وحياة مناضلين كثر ما زالت أجسادهم تحتفظ ببقع سوداء، تكاد تختزل تأريخ الورع والهوس الأيديولوجي المقيت.
يتحدث الأستاذ أحمد الرواج بذاكرة معتقل لا تشيخ ، ووجع عاشق إدَّخر هاجساً مكتظاً بأشلاء قداسةٍ وورعٍ ، منحاه إنتماءاً حقيقياً، ومعنىً جديدا لقداسة الإنتماء لوطنٍ ، ما زال في نظره جيداً لأن يمارس أحدنا حياته ، وبما يبعث على السخرية من جلاديه ومعتقليه. 

أتحدث عن اليسار وتحضرني مشاهد مروعة لضحايا ، كل جرمهم أنهم آمنوا بالإنسان ، كقيمةٍ إستهدفتها الرسالات السماوية ، وثورة حقيقية على كل ما يشوه هذه القيمة ويحيد بها عن مسارها الصحيح من إقطاعٍ وديكتاتوريات دينية ومتهالكة. 

قبل أسبوع نجح إشتراكيوا إب-بعد أن بلغت القلوب الحناجر - في إختيار سكرتير أول لمنظمة الحزب خلفاً للأستاذ يحي منصور أبو اصبع ، وممثلين للشباب والمرأة إلى اللجنة المركزية بحسب قرار الحزب توسيع قوام لجنته المركزية وإشراك الشباب والمرأة تبعاً لذلك القرار. 

لم تصمد سعادتي بذلك الإنجاز طويلاً، وقد تحولت عملية الإقتراع إلى ما يشبه المهزلة- مع إعتذاري للحزب - ، والتي قد تحدث ربما في أحد مراكز دائرة محمد أحمد منصور ، لا في سكرتارية منظمة الإشتراكي. 

أشعر بوجع وأنا أرى اليساري الصلب ناصر الربادي واقفاً - بكامل نزاهته- كضحية لخذلانات موجهة، تمكنتْ وبوسائل - لايمكن أن تكون نزيهة - من حرمان ناصر الربادي من إستحقاق حزبيٍ ، لم يكن ليمنحه - ونحن - سوى تقدير بالغ الصدق، قد تنسي أحدنا كُلفة الإنتماء للمبادئ التي آمنا بها ذات يوم. حُرم ناصر الربادي من إستحقاق ، قد يضع تجربة الحزب الديمقراطية ( الداخلية) عرضةً للنقد ، ما يستدعي الوقوف إزاء ماحدث ، وبما يعيد للحزب بهاءه وألقه، مذكراً قادة الحزب الإشتراكي بما ظل عالقاً في ذاكرتي القريبة

حين سمعتُ أمين عام الوحدوي الناصري الأستاذ عبدالله نعمان في مؤتمر التنظيم الأخير وهو يقول
( لسنا في جمعية خيرية، وعلينا أن ندرك أننا واحد في مسيرتنا التي اخترناها). 
للحزب خالص التوفيق في مؤتمره المنعقد ولناصر الربادي نزاهة المبدأ، وصوابية الموقف.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24