الخميس 02 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عماد زيد
وا خليلاه!!
الساعة 19:50
عماد زيد


إلى أخي خليل المهنأ وأصدقائنا.
ها أنا أتوشحني وجعاً.. وأسكنني مدينة عامرة بالعويل.. و أيقضني من حلم مخيف إلى واقع اشد رعباً وفضاعة.

منذ الصباح وأنا أرتدي ثياب سوداء وجسداً منهك وروح مترعة بالبلايا.. هكذا كان عامي هذا الذي سأخلعه في انتظار شمس عام جديد.. ليت بإمكانها أن تجدد واقع كأقمشة بالية تنضح منها رائحة الكراهية.
على فمي مرارة أزلية وعلى صوتي منابر تغضب السماء ومنارات تبشر بالشتات..
كان صباحي ستارة مدلاة من نافذة سجن حصين.. وكان على ظهري قاصمة قاصمة..

هو نبأ يتسلل إلى أوردتي كمقصلة في بلاط دكتاتور تقول حكمها في زمرة متآمرين على عرشه..
في سيارة تقودني إلى صنعاء منتصف نقيل سمارة.. يتقاطع مع لحظاتها نبأ ينزلني منازل المقهورين..
كان صوتاً وراء الهاتف ينعتني بالغربة.. ويزجيني مطراً على صحراء يئست رمالها عن زراعة الورد.
أنه عام حزنك يا أخي.. لقد أستشهد خليل المهنأ وآخرون في المركز الثقافي.. كان انفجار أيقظ أحزان البيوت وجفت خلاله سواقي المدينة وامتلأت أشفار الأعين بالغيم.

كانت الصاعقة في جسدي.. وكان صوت الفاجعة شاغراً كثعبان ينفث سمه في صدري.
نعم غياب (المهنأ) هو التعريف الأمثل للغياب.. وغياب والدته كان ذلك العش الذي يؤثَث للفِراخ قبل أن تفقس البيض.

لقد ذهبت إليها يا صديقي.. وذهبتُ في غيابك أستجدي الحضور.. كمن يفتش عن أهدابه في كومة غبار.
كنت أنيقاً حتى في ذهابك لقد مددت روحك جناب سيد الخلق محمد بن عبد الله.. عليه صلوات ربه.. في احتفاء بمولدهِ وموعدك.. إلى الآن يا صديقي لم نزرك لأنك باعدت المسافة بيننا لقد ذهبت إلى السماء وخلفتنا طيناً بلا ريش وأرضاً لا سماء لها.. لقد مزقناها شيعاً كما يفعل المندل حين يفرك القطن وكما تفعل أنت حين تتوسد خلودك.

تلفونك مطفأ حتى هذا الوقت أتعلم لماذا لأنه مطفأ.. الحياة بسيطة يا صديقي لا تحتاج مزيد من التأويلات لتعريفها.. كان صوتك جميلاً وهو يقول أثناء قراءة القرآن " إن إلى ربك الرجعى".

لن أنسى أن أخبرك بأنني انتظر الحلوى التي تأتيني بها لنتناولها بعد وجبة الغداء.. مع ذلك سأصدقك القول الحلوى لا تعنيني كثيراً.. ما يعنيني حلاوة حضورك.. حتى رمضان القادم سيتلكأ قليلاً وهو يقرأ التقويم في موعد حضوره.. من سيحيي مساءاته بالبهاء كأنت.

كنت متميزاً كبسمة غريب يرى أهله فجأة.. وآهل بالجمال وأهلاً له .. ما الذي جعلك الأميز؟
هل بِراً بوالدتك أم بِراً بشطيرة حلوى تتقاسمها مع طفل جائع.

لم يكن لديك واتس آب حتى تبعث إلينا صورك وأنت تحلق في ملكوت الله وملكه.. لقد أصبحت ملاكاً سيدي.. كما كنت مليكاً لافئدتنا.. لقد استحالت ذراعك الوحيدة إلى أجنحة كثيرة..

أنت الآن هناك وجسدك هنا.. هل تراني اذهب لرؤية جسدك أم انظر إلى السماء لرؤية روحك.. ستكون أشد لمعاناً.. وسيكون إلى جانبك صديق آخر وآخر.. أنت في موكب يضمك فيه ويضم إلى جانبك صادق الشراعي.. هو رائعاً سيعوضك في غيابنا عنك.. على مسافة منك عبده قايد راجح.. هو أيضاً ملاكاً.. سيكتفي العم/ محسن المطري بالتقاط الصور لتلك الرحلة.. بينما سيغرد أحدهم إلى جوارك ربما حمزة الغرباني.. ستكون رحلة راحلة إلى رضاه ورضوانه.

ليلة في الأمس كانت ليال شديدة الظلمة زرناك فيها.. أتعلم ما الذي جرى لم نرك فيها رأينا جسدك فقط.. كنا وزعفران المهنأ ومحمد عبد المجيد.. نذهب يمنة ويسرة لا ندر عما نصنع.. رغم ذاك أعدناك إلى الثلاجة وأصدقاؤك في الباصات والسيارات يلحقوننا في شوارع إب الخالية إلا من الهول.

كان يوم مهول.. أصدقاؤك غسلوك قبل أن نصل إليك.. لم يعلموا أنك شهيد وأن دمك الطاهر يحمل رائحة السماء.. كانوا يعتقدون أنهم يغسلون ما علق من دماء الإرهابي فيك.. كانوا على حق في ذلك.

أحدهم يراسلني ويرسل صوري معك لا أعلم رقمه لكنني أدرك حزني وغيابك.. أترى ماذا أرسل لي.. أرسل صورة صادق الشراعي.. صورة تشرخ القلب.. كان طيب القلب ونزيه النفس.. طفل انفصلت قدمه عنه وهو لا يزال في الخامسة من أمله.. ربما يريد النهوض لكنه يتعثر.. لقد أصبح بلا قدم كحال الذين يمتلكون أقدام ولا يمتلكون أدمغة.. ذلك الخواء هو من يغتالنا.

أخ الشهيد.. كنت تقدم أفراحنا وأتراحنا.. من سيقدم حزننا بك.. ومن سيتقدم بالتأسي.. وأي روح تحمل عزاءاتنا.

في هذه اللحظات الأستاذ عبد الحكيم مقبل يحلّق في السماء على علو قريب إلى صنعاء.. لا نريده اللحاق بك.
نريده العودة سالماً كي تقام فعاليات فكرية نرسم من خلالها الصباح.. ونعرف من خلالها الحياة.
سنصنع أدمغة عما قريب ونوزعها في المنابر والمذاهب والجماعات.. هم بأشد الحاجة إليها.. ونحن بأشد الحاجة لأن نحمل إليك صلواتنا.

أختمت مقالي فجأة أتأسف كثيراً لهذه العجلة.. أتعلم لماذا لأن أسامة الولد الصغير يكلم والده وليد الحاشدي بأنه يريد أن يكون ضابط كيما يثأر لغيابك بينما اكتفى عنان بالبكاء الشديد.. أصدقاؤك صادقين كما عودتهم جميعاً.. كل واحد منهم يسعى لتقديم حزنه بطبق أشد طراوة.. أحمد البحله لم يكتف بذلك هو الآن يجهز اللوحات التي تحمل صورك.. يبدو أنه لم ينم منذ الخبر.. سنحمل صورك في الغد ونجوب الشوارع نعدك بذلك.

الأديب خالد الرويشان لم نتجرأ أن ننقل له الخبر.. ونحن نشاهد صورك في التلفاز كانت بعض القنوات تغني.. هكذا كعادتهم.. لقد ثأر لنا خالد الرويشان في صفحته ونعتها بعبارات تحمل درساً في الأخلاق لا يمتلكوه.

العميد صالح الشعري كان أشد حزناً وحرقة.. صالته هي من سيُقام فيها العزاء لثلاثة أيام.. لذا سننتظر إطلالتك علينا.. ما عليك سوى أن تقول: السلام عليكم.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24