الجمعة 03 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
فايز محي الدين
أهمها القضاء على العنصرية.. لهذه الأسباب قامت ثورة ٢٦ سبتمبر الخالدة
الساعة 20:18
فايز محي الدين

رغم أنّنا نعيش الآن أفراح عيدها الخامس والخمسين لميلادها المبارك إلّا أنّ هناك مَن لا يزالون يطعنون في ضرورة وحتمية قيامها ويحاولون بإرجافاتِهم النيل منها بوصفها انقلاباً عسكرياً تارة، وتارةً بالقول أنّ الوطن كان في غنىً عن قيام الثورة السبتمبرية التي امتدتْ حروبها مع الفلول الملكية لأكثر مِن ثمان سنوات انتهتْ بالصلح والتوافق ورجعة الكثير من الرموز الملكية إلى أرض الوطن.

ونحن وإنْ كُنّا لا نميل لهذا الرأي إلّا أنّهُ مِن الواجب مناقشته في ظل سقف الحرية الذي تتمتع به بلادنا في هذه الآونة. وإذا لم يكن لأجل إقناع أصحاب هذا الرأي الذين يبثون إرجافاتهم تحت مسميات عدة فلأجل جيل الشباب الذي لم يعش تلك الحقبة المتخلفة من عهد الإمامة العنصري البغيض، ولم يقرأوا تاريخ وطنهم وكفاح أبطالهم ومناضليهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل صناعة تلك اللحظة الاستثنائية في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر عشية السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م حين فجروا الثورة ضد الإمامة وأعلنوا ميلاد عهدٍ جديد قائم على النظام الجمهوري العادل الذي يستمد سلطته من الشعب ويلغي كل الفروق الطبقية التي كرّسها الأئمة وزبانيتهم لقرونٍ من الزمن أوجدت بوناً شاسعاً بين أولئك الزبانية والسواد الأعظم من أبناء اليمن الذين عاشوا في الهامش في ظل جهلٍ وفقرٍ وتخلُّفٍ وانغلاقٍ لم يشهده بلدٌ على مَرِّ الزمان، حتى لم يعد أحد يسمع ببلد اسمه اليمن،وهذا ما أكّدَهُ لي في حوارٍ سابق المناضل حسين شرف الكبسي، وأيضاً كان دافعاً لأن يكتب أبو الأحرار الشاعر محمد محمود الزبيري رائعته الروائية (مأساة واق الواق) التي صوّر فيها ابتداءً من العنوان مأساة هذا البلد المتخلِّف الذي جهله العالم ولم يعودوا يعرفون حتى موقعه على الخريطة، وكأنّهُ بلدٌ أسطوري لا وجودَ له إلّا في كتب التاريخ القديم التي حوت الكثير من الأساطير مثل أسطورة بلاد واق الواق.

والجريمة أنّه كل ما كان يحاول المناضلون وأرباب المعرفة ممن تسنى لهم الخروج عن اليمن وزيارة بلدان أخرى إقناع الإمامين يحيى وولده أحمد حميدالدين بضرورة الانفتاح على الآخر والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة –على الأقل العربية منها كمصر والعراق- كان الإمامان يواجهان ذلك بالرفض التام ويعتبران التطور والانفتاح نوعاً من الكفر والإلحاد ويصفانه بـ( التفرنُج) ويقولان أنه مدعاة لتفسخ العقيدة وضياع الإسلام!!

وهذه ما يؤكده الدكتور عبدالعزيز المقالح في مجلة دراسات يمنية العدد60-61 صفحة عشرة في حديثه عن زيارة المُصلح العربي التونسي عبدالعزيز الثعالبي الذي زار اليمن مرّتين في محاولة جادة منه لتوحيد صفوف اليمنيين لمواجهة الاستعمار البريطاني وتحرير المناطق اليمنية المحتلة لتوحيد اليمن في دولة واحدة. وفعلاً وصلَ إلى صنعاء أول شهر سبتمبر عام 1924م بعد جهد وعناء ومشقة نظراً لعدم وجود الطرقات ووسائل المواصلات الحديثة كالسيارة التي عرفتها كل البلدان العربية ما عدا اليمن. وحين وصل صنعاء قضى أيامَهُ طريح الفراش والتقى بالعديد من وجهاء اليمن وناقش معهم عقد مؤتمر يمني عام يلتقي فيه أهل الحل والعقد لإعادة إقامة الوحدة وتدارس الوسائل التي من شأنها حماية البلاد واستقرارها ورفع مستوى أبنائها علمياً واقتصادياً.. وحين اجتمع بالإمام يحيى حميدالدين وعرض عليه الفكرة رفض رفضاً باتاً.

ويذكر العديد من المناضلين أنه لم تقم الثورة السبتمبرية إلّا بعد أنْ يأسوا من إمكانية تحقيق التقدم والازدهار لليمن في ظل ذلك النظام الإمامي الكهنوتي المنغلق الذي لم يشهد العالم والوطن العربي نظاماً استبدادياً ومتخلِّفاً كذلك النظام الذي ابتُليَ به اليمن لحوالي ألف عام أكلت الأخضر واليابس وأتت على كل ما كان فيه من نماء معرفي واقتصادي ودغعته نحو مؤخرة وذيل الركب الحضاري بعد أن كان في المقدمة والآخذ بزمام التقدُّم والحضارة في مختلف المجالات، وهذا ما جعله يصنع حضارات كسبأ وحمير ومعين التي ما زالت آثارها شاهدةً على حنكة ووعي وتقدُّم اليمنيين على مَن سواهم في تلك الحقب التي لم يكن الوباء الإمامي قد أصابها بعد، لأنّهُ منذ اجتياح ذلك الوباءُ لليمن لم يترطك شيئاً من تلك الحضارات ومعالمها إلّا وقضى عليه، وليس أدل على ذلك من إخفاء مؤلفات لسان اليمن المؤرخ الحسن [ن أحم الهمداني صاحب كتاب(الإكليل) و(صفة جزيرة العرب) والذي عاداهُ الأئمة وأزلامهم وأخفوا مؤلفاته بما في ذلك بقية أجزاء الإكليل الذي لم يكتشف ويطبع منه حتى الآن إلّا أربعة أجزاء من عشرة لا يزال ستة منها في طي الكتمان.

وذلك لأنّ الهمداني كان يرى وفق نظرية استقراء التاريخ أنّ الأمور لن تستقر في اليمن ولن تعود إلى الركب الحضاري إلّا إذا عاد الحكم لـ(حِمْيَر) وهذا ما أغضب الأئمة وأثار حفيظتهم فأنزلوا بمؤلفاته نقماتهم التي لا تزال حتى اليوم، حيث كانوا هم الطبقة الأكثر اقتناءً للكتب، وقد عملوا جاهدين على إخفاء مؤلفات الهمداني لذلك السبب. وهو نفس السبب الذي جعلهم فيما بعد يعادون العلامة اليمني الكبير والمؤرخ الشهير نشوان بن سعيد الحميري ويناصبونه العِداء،ويغمطونه حقه وعلمه وهو صاحب المؤلفات النادرة التي يقف في مقدمتها كتابه الموسوعة والذي لا يشبهه كتاب(شمس العلوم). وقد أصبح البيتان الشعريان اللذان قالهما نشوان الحميري في أدعياء النسب النبوي وأنهم من آل النبي الذين يجب محبتهم والصلاة عليهم حين ذكرنا للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم،مثلاً سائراً إلى يومنا هذا:
     آلُ النّبيِّ هُمُ أتباعُ مِلّتِهِ          مِن الأعاجــمِ والســـودانِ والــعَــرَبِ
     لو لمْ يَكُنْ آلُهُ إلّا قرابتَهُ        صلّى المُصلِّي على الطاغي أبي لَهَبِ
هذه النظرة العنصرية والتمييز الطبقي الذي انتهجه الأئمة فيما بعد وحاولوا تجذيره في المجتمع اليمني كانت من أهم الأسباب التي جعلت الأحرار والمناضلين يؤمنون بحتمية الثورة على ذلك النظام المتخلِّف. خاصة وقد كان يحاول الأئمة من آل القاسم وبالذات آل حميدالدين تجذير ذلك في المجتمع اليمني من خلال ادعائهم بأحقية الإمامة وأنّهم من نسل النبي صلى الله عليه وسلم والواجب على الناس حبهم لأنّهم من آله صلى الله عليه وسلم. 

وهو ما أكّدَهُ مؤلفوا كتاب(ابن الأمير وعصره) وهم نخبة من علماء ومؤرخي اليمن(المؤرخ العلامة محمد بن علي الأكوع الحوالي- الأستاذ المناضل قاسم غالب وزير التربية الأسبق-القاضي المؤرخ عبدالله الشماحي- القاضي حسين بن أحمد السياغي- الأستاذ محمود إبراهيم زايد) وهذا الكتاب وكل ما فيه وثيقة هامة لإدانة النظام الإمامي الكهنوتي ولعنة في وجوه كل أذيال الإمامة والمرجفين الذين يشككون بضرورة قيام الثورة السبتمبرية ويسمونها حقداً بالانقلاب العسكري، ويتناسون أو يحاولون إخفاء رزايا ذلك الحكم العنصري الذي قام على التمييز العنصري وتجذير الطبقات والطائفية في شعبٍ لم يكن على مر التاريخ إلّا ذا هوية واحدة غير قابلة للتقسيم والتجزئة.

ولعلَّ ما أوردَهُ الشيخ سنان أبو لحوم في الجزء الأول من كتابه (اليمن.. حقائق ووثائق عشتها) خير دليل على ما نذهبُ إليه،حيث ذكر في صفحة 127 وما بعدها أنّهُ لجأت إليه الهاشمية، أو كما يحلو لهم وصف بناتهم بـ(الشريفة) وهي لفظة عنصرية بحتة.. لجأت الشريفة فاطمة بنت علي محمد مفضل،وهي بنت خالته،تستنجد به هي وأمها لأنّ أهلها يريدون أن يزوجوها من أحد أبناء عمومتها غصباً وهي تريد الزواج بأحد أبناء أخوالها،وكانت أمها قد تزوجت بالشيخ صالح بن صالح عايض بعد وفاة والدها السيد مفضل،وقد أراد زوج والدتها تزويجها بابن أخيه الذي طلبها من أهلها للزواج والبنت وافقتْ؛لكنّهم رفضوا فلجأت هي وأمها للشيخ سنان، وحين كتب لهم يعلمهم بوصوله إليه كان رد الهاشميين قاسياً وألفاظهم فظة وغليظة وتقطر بل تنضح بالعنصرية والطائفية والطبقية المقيتة التي أفسدوا بها المجتمع،فقالوا:( إن مثل هذا لا يقع إنّ قبيلي يقبل بنات النبي) والبعض قال: (احترم نفسك.. إذا كان عقل القبيلي يقول له أنه سيصبح ربيع الشريفة فعليه أن يعرف قدر نفسه) وآخر يقول: (لا يجوز للكلب أن يلغ من إناء أهل البيت) أي لا يجوز لغير الهاشمي الزواج بالهاشمية!! بل وصلَ التمادي بهم إلى أنْ يقول السيد محمد حسين الأشول من آل الوزير رغم صداقته لسنان أبو لحوم ووالده: "إذا كان الأخ سنان مصراً على زواج الشريفة من ابن عايض فعليه أن يزوج اخته بـ(حومة دبدب) وحومة دبدب المزين حق سنان أبو لحوم.فاغتاظ سنان وقال إذا قد هذا قدرنا عندكم فيكفي أنّنا عرفنا قدر نفوسنا. وقفلَ خارجاً يزمجر بالغضب الذي كان يسيطر على كل اليمنيين وكان الجذوة الأولى التي أشعلتْ فتيل ثورة سبتمبر الخالدة ضد ذلك النظام الكهنوتي العنصري المتخلِّف.

وبلغَتْ بالأئمة الوقاحة إنْ يبدأوا رسائلهم إلى اليمنيين حتى وإنْ كانوا مِن عِلية القوم كالمشائخ والقضاة بوصفهم بالخُدّام، فيقولون مثلاً: خادمنا فلان ابن فلان. ومن ذلك ما ذكره سنان أبو لحوم في الجزء1 ص33 عن رسالة الإمام المهدي عبدالله المؤرخة بـ1235هـ والموجهة لأحد أجداده: (خادمنا النقيب محسن بن صالح أبو لحوم أمن بأمان الله وأمننا في باب وبلاد وليس عليه حرج مشروط وعليه الخدمة والنصيحة ) وهذه الرسالة توجز النظرة العنصرية والطائفية التي كان يقوم عليها النظام الإمامي الذي يدعي النسب النبوي وأنّ أحقيته بالحكم هي أحقية دينية لارتباطه بالنبي صلى الله عليه وسلّم،وزادوا على ذلك بأنّها ضرورة شرعية،حيث لا تصلح صلاة المسلمين ما لم يكن لهم إمام هاشمي،وشدّدَ بعضهم على أن يكون من آل النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون من البطنين(الحسن والحسين) باعتبار أنّهما فقط من نسل النبي لأن أمهم فاطمة الزهراء رضي الله عنها فيما بقية أولاد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرّمَ وجهه هم من غير فاطمة. وعلى ذلك ظلوا يعزفون ويوهمون العوام بصحة ادعاءاتهم التي ما أنزلَ الله بها من سلطان. وهل كانت النبوة مُلكاً حتى يورّث؟؟!! إنّها مُلخّص للثقافة الإبليسية – كما يقول الأستاذ محمد عبدالله اليدومي- والتي تتلخص بقول "أنا خيرٌ منه". وعليها فالناس عندهم عبيد وخدم حتى المشائخ وعلية القوم!! فهل يرغب اليمنيون أن يعودوا لذلك الامتهان؟!! وهل بعد ذلك يمكن للمرجفين التواقين لعهد التسلُّط وفرض الهيمنة على الآخرين أنْ ينافحوا عن ذلك العهد المباد أو يشككوا بحتمية الثورة السبتمبرية؟؟!!

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24