الجمعة 03 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
وليد العليمي
العلمانية ودولة الخلافة الإسلامية
الساعة 20:49
وليد العليمي

( إذا أُ ُعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية فإن الإسلام ينتصرفي هذه البلاد ،وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها ) المستشرق الأمريكي و.ك.سميث ، يطرح العقل البشري تساؤل ، هل الدين وسيلة لبناء الدولة ؟ أم غاية لها ؟إن الدين من وجهة نظري هووسيلة وغاية في آن واحد ، فهو وسيلة حقيقية وآمنة لبناء الدولة الحديثة ،وهو غاية ملحة لتحقيق هذه الوسيلة على الوجه الأمثل  .

لقد تعددت الأيدولجيات التي تنظّروتقرر أشكال أنظمة الحكم ، بتعدد الثقافات والأديان والتجارب البشرية ، ومنذ فجر تاريخ البشرية الأول، إرتبط الدين بالدولة إرتباطا ًوثيقا ًومحوريا ً ، ونشأت جدلية العلاقة بينهما ، ونشأ التساؤل المنطقي في ظاهره ، العبثي في باطنه ، هل الدين هو الدولة ؟ وهل الدولة هي الدين ؟ .

لقد وقف الدين هنا متوجس خيفة ، أمام العقل البشري ، الذي سيختارمابين طريقين ، الطريق الأول وهوطريق الإيمان الحقيقي بهذاالدين ، المتجرد من كل مصلحة ذاتية ،والطريق الثاني وهوطريق يحمل راية هذا الدين من أجل المشاريع الذاتية الضيقة والبرجماتية المحدودة . 

وقد حدث ما توجس منه الدين خيفة ً ، وخان العقل البشري ذاته ، وحمل راية الدين من أجل أمجاده الذاتية الضيقة ،  فأستغلت مجاميع من اليهود "التوراة "من أجل الوصول الي السلطة ، والثروة ، والسيطرة ، وهذا ما حدث بالظبط لقادة الكنيسة في القرون الماضية ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، ماحدث في القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلادي، قبل النهضة الأوربية التي قامت على أنقاض  الكنيسة .

لقد ناضل الفكر البشري في أوروبا في تلك القرون  نضالا ً مريرا ًضد سلطة الكنيسة ، التي حاربت المعرفة ،وقتلت العالم جاليليو ، لأن علمه عارض جهلها ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة ؟ وبمنطقية ؟ من قتل جاليليو؟ هل قتله الدين؟ هل قتله الله عزوجل؟ أم قتله جهل البشر ، ومحدودية عقلهم البشري ؟  لقد قتل جاليلو العقل البشري المحدود والضيق ،ولم يقتله الدين . ولاكن الفكر الأوروبي الحر هنا وجد نفسه أمام مأزق خطير ؟ وغرق في ضبابية فكرية مظلمة ، جعلته بلا تفكير يوجه أصابع الإتهام الي الدين ؟ . 

في مستهل النهضة الأوروبية الحديثة نشأ تيار معادي للدين ، ينادي بالعلمانية  ،عقب التجاوزات الخطيرة والمستمرة ، لقادة الكنيسة بمعظم طوائفها ، والتي إستمرت وتكررت لعدة قرون زمنية سابقة لعصر النهضة ، لقد كانت الكنيسة في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر، قبل الثورة الفرنسية ،غارقة في الفساد، والظلم ، وكانت تمنح صكوك الغفران لمن تشاء ، وتمنح صكوك الحق الإلهي في الحكم ، لملوك فرنسا، وعلى رأسهم أسرة بونابرت . 

أدى تحالف الكنسية مع الأرستقراطية البرجوازية الفرنسية الحاكمة ، الي إثارة حفيظة مفكرى فرنسا ضد الكنيسة خلال عصر التنوير، وقاد العداء ضد الكنيسة بشكل خاص ، والدين بشكل عام ، المفكر الفرنسي فولتير، وكان من أسباب قيام الثورة الفرنسية ، التي غيرت مجرى التاريخ ،وألهمت بقية البلدان الأوروبية في الإنخراط فيما سمى " بالربيع الأوروبي " وهي ثورات أوروبا عام 1848م ، هو ظلم الكنيسة ، وتحالفها مع السلطة الحاكمة أنذاك . 

كان من الطبيعي أن تنشأ عقب ثورات الربيع الأوروبي والثورة الفرنسية ، والنهضة الأوروبية بشكل عام، دعاوى العلمانية ، والمادية ،والتي حركها مفكرى أوروبا كما أسلفنا بقيادة المفكر الفرنسي فولتير ، ولاكن هذه الثورة الفكرية التي فجرت الثورة الفرنسية وثورات الربيع الأوروبي بعد ذلك عام 1848م ، إرتكبت خطأجسيماً ،وكارثة فكرية  ، عندما قررت بأن الدين هوالمتهم ،وعندما حملت الإله وزر فساد الكنيسة وظلمها . 

إذن أريد هنا أن أشير وأؤكد ، أن العقل البشري ، هو المتهم ،وهو المسؤول عن أخطائه ، وتجاوزاته ، وصلفه ، وظلمه ، وليس الدين أو الخالق ، وكما استغل العقل، الدين اليهودي والمسيحي ، فقد إستغل ، الدين الإسلامي أيضا ً . 

فبعد وفاة النبي محمد (ص) ، المؤسس الأول للخلافة الإسلامية ، ووفاة خلفائه الراشدين الأربعة ،( بالإضافة الي الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز الذي أجمع على أن خلافته كانت راشدة ،معظم مؤرخى ومفكرى الإسلام )، لم يشهد المسلمين قيام للخلافة الإسلامية الراشدة ، حتى يومنا هذا .لذلك فإن طرح رؤى النظرية العلمانية في المنطقة العربية والإسلامية ،يعتبر طرح غير مجدي أو على وجه الدقة يعتبر طرح غير منصف الي أبعد مدى ،لأننا بصراحة لم نجرب الي يومنا هذا حكم قوى الإسلام السياسي التي تنادي في مقدمة شعاراتها وأدبياتها "بقيام الخلافة الإسلامية " ، فكيف نحكم على تجربة ً ما ، بالفشل ، ونحن لم نجربها ،بل ونبحث عن بديل علماني لها على سبيل فتاوى الإفتراض والتوقع . 

وعلى الرغم من أن معظم قوى الإسلام السياسي في القرنيين الماضيين ،كانت تتبنى في بعض من أدبياتها  ،نفايات  الفكر الإستشراقي الممنهج الذي يشكل حجر الزاوية  في المشروع الفكري لقوى الظلام المعادية للإسلام  ، إلا أن هذه القوى لم يسمح لها بالوصول الي سدة الحكم في المنطقة العربية والإسلامية حتى اليوم ، فيما عدا بعض هذه القوى ،التي إختزلت الفكر الإستشراقي الأنجلوسكسوني بشكل كامل ودائم . 

سنعود مرة أخرى الي العقل البشري الذي يؤطر للعلمانية فيتسأل ( نحن بحاجة  لقراءة أزمة الدولة وفقا ًلما توصل إليه العقل البشري من نظريات علم الإجتماع والتمدن ، لا أن نعيد قراءة التراث الديني الغير صالح الأن لبناء الدولة الوطنية ) .

(وقد شطح العقل البشري هنا فأطلق على الدين "تراث " ، بكل ما تحمل هذه الكلمة من دلالات عميقة وخطيرة ،فالشيئ الموروث عادة ً، هو مجرد "ارث" ُيلقى به بين المقتنيات الأثرية بإهمال ،فلا يُعتد به ولايؤخذ برأيه ،أوهي كلمة إبتدعها العقل البشري الغاضب ، على الدين ، كما فعل فولتيرورفاقه ، سنلتمس لهذا العقل العذر ، فقد ظل طريقه ، وهو يشاهد تحالف "المسجد والكنيسة والمعبد" ، مع أنظمة الإستبداد والظلم والكهنوت ،فصب جام غضبه على الدين ، الذي نقش صكوك الحق الإلهي في الحكم ، للطغاة والجبابرة ) .

وللإجابة على هذا التساؤل للعقل  ، أولا ً- كيف لنا أن نقرر أن الدين لايصلح لبناء الدولة ،في ضوء ما شرحته سابقا ًهنا ، خاصة ًونحن نفتقد لتجربة حقيقية وعميقة ومستفيضة " لحكم قوى الإسلام السياسي"، في عصرنا الحديث ، أما أن الأمر ، إفتراض ممنهج ومسبق ،وتحديد لواسع ، وتقييد لمطلق . 

ثانيا ً يجب أن نعي جيدا ً ركائز المشاريع  الفكرية المعادية للإسلام ،بشكل خاص ، والمعادية للأديان بشكل عام ، والتي مافتئت تنظر بأن الدين  ليس إلا تراث غير صالح لبناء الدولة الوطنية ، وهذه المشاريع لم تعد كذلك ، فلقد أصبحت واقعا ً ملموسا ً، وأفكارا ً معاشة تغلغلت بإحترافية عالية ، في الذهن العام العربي والإسلامي . 

ثالثا ً سنحتكم  الي العقل البشري ذاته ، وسنجد أنفسنا أما مفترق طرق ، صنعها هذا العقل ، الطريق الاول ممهد بنظريات الحداثة ونظريات علم الإجتماع والتمدن ،ونظريات ما بعد الحداثة ، والطريق الثاني ،معالمه نظريات الإيمان وإدراك الحقيقة وعينها ، فأما من سار في الطريق الأول مؤمنا ً بدهشة التجربة البشرية ، فقد سار الي صيرورة  محدودة ، تمثل قدرات العقل البشري المحدود ، وأما من سار في الطريق الثاني ، فقد عرف قدرة العقل ومحدوديته ، وضيق أُفقه وتجاربه ،فبنى هذا الكون ، الوطن ، وفقا ً لدستور جاء من اللامحدود ، للمحدود .

 نجد أنفسنا هنا مرة أخرى أمام العقل ، فهو من يقرر ، فأما أن يقع أسيرجهله ويجلد الدين ، ويزيحه عن طريقه ، ويحملهُ وزر أخطاء قام هو ذاته بارتكابها ،واما أن يكتشف عين الحقيقة ، ببصيرته النافذة ، ويعترف بأثامه وخطاياه ، ويعري ذاته ، ويعيدها الي الدين ، معترفا ً بأنها عودة الجزء الي الكل ، والمحدود الي اللامحدود .

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24