الأحد 05 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
أقلّ كثيراً من رجل بلا احترام
الساعة 21:48
أحمد طارش خرصان

لم يقدم الرئيس الماضي صالح ما يمكن أن يكون جديداً في خطابه الأخير ، وكان أكثر وضوحاً في تقديم صورته الحقيقية ، بعد أن أفلتت الأمور - كما يبدو - من قبضته وأضحى أقلّ كثيراً من رجل يعيش بلا احترام .

لم يكن الرئيس الماضي صالح ليشبه زعيم تشيلي ، وهو يوجه خطابه إلى الشعب التشيلي ، مستنهضاً فيهم كل قيم المواطنة والديمقراطية ، للوقوف في وجه الإنقلابيين الذين حاولوا إسقاط الدولة آنذاك .

ربما لن تكون المرة الأخيرة التي يطل فيها صالح على أنصاره ، غير أنها ستكون أكثر بشاعة من التي ظهر فيها خلال خطابه الأخير ، قياساً على التدهور الذي ينهش جسد صالح ونفوذه ( العسكري - الإجتماعي - الإقتصادي ) ، وما نتج عنه من سطوٍ على أدواته وإمكاناته التي كانت تمثل الدرع الواقي والرادع لكل معارضيه .

لم ينجح الرئيس الماضي صالح في إيصال رسائله - بما احتواه خطابه الأخير من تطرفٍ وإمعانٍ في الثأر - إلى حليفه الداخلي ، وبعض قوى الإقليم ذات الطابع الحاد في التعامل مع فصيل بعينه على الساحة اليمنية ، تلكم الرسائل الأشبه برشوةٍ لم تجد القبول ، ما دفعه لإيضاح وتفسير ما كان أطلقه من تحريض - على التجمع اليمني للإصلاح - ودعوته إلى الإقتتال وتصويب البنادق باتجاه أنصار ومنتسبي التجمع اليمني للإصلاح في كل الجغرافيا اليمنية ، وبمنطق من يضع اللمسة الأخيرة في آخر فصل من حياةٍ ، سيظل فيها صالح ذلك السوء الذي منحنا كل المذلات والإهانات دفعةً واحدةً ، لنعيش والضياع وجهاً لوجهٍ، في بلدٍ بات مشرعاً على الموت والخرائب ... لا الحياة اللائقة بشعبٍ ، أوقعه سوء التقدير بين يدي مقامرٍ بائسٍ ، لا يرى في الشعب أكثر من بندقيةٍ جاهزة للثأر والإنتقام .

لا يجد المستبدون سوى الشعارات والقيم الوطنية - وقد شارف نجمهم على الأفول - ملاذاً خصباً لإبقائهم في واجهة الأحداث ، وهذا ما يظهره الفاشيون والديكتاتوريون في جل خطاباتهم الموجهة لأنصارهم ، والهادفة - دائماً - إلى تشكيل طوق نجاةٍ - كما قال صالح - ولو بالمزيد من الجثامين والضحايا الذين لن يعدم المستبد الحجة ليقول إن العدو هو السبب ، وهذا ما أشار إليه كارلوس فوينتس في روايته كرسي الرئاسة ( كي يحبك جنودك ، دعهم ينهبون ويسرقون ويقتلون ، وليس عليك غير إلقاء اللوم على عدوك).

يفرط الرئيس الماضي صالح في إفساح الطريق لأحقاده وضغائنه ، والتي كانت أكثر حدة في خطابه الأخير ، وموقفه من ثورة 11 فبراير وأحد أقوى دعامات هذه الثورة العظيمة صلابة وحضوراً - التجمع اليمني للإصلاح - بما أفرزاه من واقعٍ جديدٍ ، كان بمثابة اليد التي ألقتْ به إلى الضفة المعتمة كرجلٍ ، لم يعد لديه ما يفعله - وهو يعيش أيامه الأخيرة - غير التحريض على الإنتقام وتوسعة رقعة الثأر والإقتتال . 
أظهر خطاب صالح الأخير حالة وحجم الخلل الذي يحكم انفعالاته ومواقفه تجاه مجمل الأحداث ، ويكشف بجلاء مدى ما يعانيه الرجل من إنهيار - بات ملموساً - في منظومة الدهاء والمكر والكياسة التي كانت تحكم علاقاته طيلة 33 عام من الحكم .

طيلة عامين من الإنقضاض على الدولة ، ظل تحالف ( الحوثي - صالح ) يمارس فعله الإنتقامي من كل ما له علاقة بثورة فبراير ، وتحت شعارات وطنية - هما من وضعا محدداتها - ليكون الجميع في مرمى الإستهداف ، بدءًا بحزب الإصلاح الذي نال النصيب الأوفر من عنف وقمع ، لم ينجح حتى اليوم في إطفاء شعلة الحضور لحزب ، لا يمكن إلّا أن يكون معادلاً حقيقياً للجغرافيا اليمنية ، وانتهاءًا باليمنيين جميعاً .

خسر صالح وكان بإمكانه أن يكون الفائز المحظوظ ، غير أنه استسلم لأحقاده وجلس هناك حيث يعض أصابع الندم متسائلاً ، كيف نجحت حنجرة 11فبراير 2011م العزلاء في الذي أخفقتْ فيه 17 دولة حتى الآن ؟
سيرحل صالح نهاية الأمر لكن التاريخ كفيل بأن يقول كلمته في كل شيء ، حتى في أتفه التفاصيل وأقلها تأثيراً..
.........
جزء من خطاب سيلفادور الليندي
وهو محاصر في قصره الرئيس قبل مقتله
......
( بالتأكيد سيتم إسكات راديو ماجالانس، ولن يصلكم صوتي بعد الآن. لا يهم. فسوف تسمعونه دائما. سأظل دائما بينكم.. على الأقل ذكراي ستظل كرجل حافظ على كرامته وولائه.

الجماهير يجب أن تدافع عن أنفسها، لكن دون تضحية بحياتها. يجب ألا يعطوا أحدا الفرصة أن يدمرهم وألا يضعوا أنفسهم في مواجهة الرصاص، وكذلك لا يجب ألا يسمحوا بإذلالهم.)

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24