الاربعاء 24 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
زيد مُطيع دمّاج : الخصوصية السردية والترجمة - أحمد الأغبري
الساعة 00:20 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


مثلت تجربة زيد مطيع دماجّ (1943-2000) السردية منعطفًا مهمًّا في مسيرة  السرد اليمني؛ فتجربته القصصية بدءًا من مجموعة “طاهش الحوبان” عام 1973م، واستمرارًا في “العقرب” عام 1982م، و”الجسر” عام 1986م، و”أحزان البنت مياسة” عام 1990م، و”أزمة البنت بشرى”، و”المدفع الأصفر”.. تتجلى أفقًا جديدًا للقصة القصيرة في اليمن والوطن العربي لا سيما في قُربها من المجتمع واقتداره على ملامسة همومه ومشاعره وتحسس معاناته من التخلف والعبودية وفق رؤية وتقنية ذكية.
 

تلك الرؤية ظلت محور المشروع الأدبي لزيد دماج؛ وهو ما عبّرت عنه بوضوح روايته الوحيدة الصادرة باسمه بعنوان “الرهينة” عام 1984م، والتي عكست مدى وعيه السياسي ونضجه الطليعي وحساسيته العالية تجاه القضايا التي يمكن من خلالها استفزاز كمون المجتمع ودفعه للاقتراب من مشكلته والانطلاق صوب تغيير واقعه، وفي كل ذلك تجلت مهارته كسارد مغاير.
 

وكم كان زيد مدهشًا في قصصه وروايته، وهو يقتربُ من الناس ويستنطق أرواحهم المكلومة، بل كان ذكيًّا جدًّا في ترجمة ما يريد أنْ يقوله هؤلاء الناس للأجيال المقبلة.. وهو بذلك تجلى ساردًا ماهرًا وحاذقًا قدّم من خلال قصصه وروايته إضافات سردية يمنية وعربية، وتحتاجُ تقنيتها وموضوعها مساحة كبيرة جدًّا لبسطها ليس مكانها هنا.
قد يشعرُ القارئ أنّ رواية “الرهينة” التي تم اختيارها كواحدة من أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين لم تكن سوى انتقاد لوضعٍ بائدٍ متمثلٍ في الحكم الإمامي لشمال اليمن قبل ستينيات القرن الماضي؛ وهي وإنْ كانت كذلك، إلا أنّ الاشتغال عليها كان من خلال رؤية مغايرة وتقنية مختلفة وجديدة حينها كشف من خلالها حقيقة، ربما كانت وارتها الذاكرة لاحقًا، عن فصلٍ من فصول الألم اليمني، وذلك من خلال الاقتراب من القاع الاجتماعي عبْر مناوشة قمة ذلك الحكم؛ وبالتالي تقديم صورة لمعاناة المجتمع اليمني وما يجب أن يكون عليه هذا المجتمع اليوم من يقظة.. وكانت تلك رسالة في غاية الأهمية صاغها روائيًّا زيد مطيع دماج قبل نحو ثلاثة عقود وفق تقنية ستظل مدهشة في علاقتها بالإنسان والمكان معًا، وستظل تتجددُ قراءتها عبر الأجيال المقبلة.

 

ترجمة الرواية لعددٍ من اللغات، بما فيها الإنكليزية والفرنسية والروسية والصربية والألمانية والهندية وغيرها.. كان دليلًا على خصوصية هذا العمل السردي الذي يكتشفُ من خلاله القارئ في بلدان مختلفة ما كان عليه اليمن وما يجب أن يكون عليه في رزحه تحت نير التخلف ونزوعه نحو الانعتاق.. وذلك ما كان ليصل إلى القارئ العالمي إلا من خلال أديب يمتلك أدواته السردية، ويشتغلُ عليها بمهارة عالية قادرة على الاقتراب من المشاعر الإنسانية وترجمتها وفق رؤية ما زالت تحتاجُ لمزيدٍ من الدراسات لإعادة قراءة خصوصيتها.
 

  تتجلى التجربة السردية لزيد مطيع دماج أفقًا جديدًا للقصة القصيرة في اليمن والوطن العربي لا سيما في قربها من المجتمع واقتداره على ملامسة همومه ومشاعره وتحسُّس معاناته جراء التخلف والعبودية وفق رؤية وتقنية ذكية.
    ما هو دور زيد مطيع دماج في مسيرة الرواية اليمنية؟
لقد كان له دور فارق ومحوري؛ فتجربته في رواية “الرهينة” في الثمانينيات مثّلت مرحلة متطورة في الرواية اليمنية، وشكلت امتدادًا ذكيًّا للتطور الذي خلقه محمد عبدالولي في عقد السبعينيات من خلال روايتي “يموتون غرباء” عام 1971م و”صنعاء مدينة مفتوحة” عام 1978.. وبالتالي فما شهدته الرواية اليمنية في هذين العقدين كان قد مهّد لتجربة مختلفة في عقد التسعينيات، والتي مثلت الأساس الذي انطلقت منه الرواية في هذا البلد خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين.
     وماذا عن تجربته القصصية؟
مَن يقرأ قصص زيد مطيع دماج ويقارنها بما كانت عليه القصة القصيرة في اليمن وما أصبحت عليه سيشعر أن تجربة زيد أسهمت بلا شك في تطوير السرد القصصي اليمني، وبالذات في علاقته بالمجتمع اليمني البسيط كموضوع،  والسرد السهل كتقنية في سياق (السهل الممتنع)، وفي كل ما يمكن أن يراه العالم في هذا المجتمع ويعرف عن معاناته.. وهذه العلاقة لم يكن من السهل الاشتغال عليها إلا من خلال ساردٍ متمكن كزيد قريب من الناس، ويمتلكُ رؤية واعية لِما يريد أنْ يقوله للعالم عن هذا المجتمع بسرديته المبهرة التي تمكن بواسطتها من الغوص في أعماق النفس واستنطاق مشاعرها تحت نير العبودية والتخلف؛ وبالتالي إعادة ترجمة معاناتها ونزوعها نحو الحرية والانعتاق والتقدم بما يفهمه القارئ بمختلف مشاربه ولغاته.. وقد نجح في ذلك.
 ماذا عن تجربة زيد السياسية والدبلوماسية؟
كان زيد بجانب كونه أديبًا، سياسيًّا وبرلمانيًّا ودبلوماسيًّا؛ وهذا النبوغ السياسي الذي رافقه ليس بغريبٍ عليه؛ فهو نجل المناضل السياسي الجمهوري الراحل الشيخ مطيع دماج.
وقد يستغربُ القارئ أنّ الرجل على الرغم من مشاغل الوظيفة العامة سياسيًّا ودبلوماسيّا كان يجدُ وقتّا لكتابة الأدب... بل لقد كان لوظيفته وثقافته السياسية مسحتها وتأثيرها في وعيه الذي انعكس في نصوصه السردية القريبة من الناس وتطلعات مجتمعه نحو المستقبل.

 

منقول من موقع (اليمني الأميركي)...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24