الخميس 18 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
إب - ثابت العقاب
الساعة 14:48 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


الكتابة عن إب بحاجة إلى خروج من هذا الفضاء الكئيب المشحون بالغل والحقد والحرب بحاجة إلى الهروب من النفس الأمارة بالسوء الهروب من الذات التي تعيش لحظات الصلب و لحظات الشنق و لحظات الخوف و لحظات البكاء و لحظات الكذب والرياء  .. الهروب من الذات التي تبحث عن فرص الانتقام و رغبات التسلط والاستنساخ البشري القبيح  .. بحاجة إلى الابتعاد عن الهوى المتبع والشح المطاع والدين المغلف باواني بلاستيكية  ..
لا أدرى كيف تكون الكتابة عن مدينة مضى على التسكع في شوارعها قرابة الربع قرن ولكنه جهد المقل ولوعة المشتاق وحنين المفارق  وذكريات الصبا ..
سنعود إلى الطفولة و نحبو من جديد بين الاسطر والكلمات و نتذكر الخطوات الأولى بين الجبانة وشلال المشنة  ..
سأقترب من الذاكرة واقتطف منها ما نبت من الحكايات وما اثمر من القصائد وما اينع من الحب .. سأعود إلى تلك الربى وتلك المدينة التى خيرت بينها وبين امرأة وسيجارة حشيش فاخترتها ..
الكتابة عن إب تحتاج إلى ريشة نعام وإلى فرقة اوركسترا ترافق لملمة ما بعثرته الأيام وإلى لغة تتخطى الموسيقى والرعد والمطر  .. تحتاج إلى احتمال وانفصال واكتمال  في آن .. إلى بكاء وضحك وغناء في آن  .. إلى قراءة وكتابة وصمت في آن ..
الكتابة عن إب تحتاج إلى قات من نقيل العقاب وماء من حدبة العليا وجلسة في الجبانة  ..
مازلت أتذكر كيف كنا نسترق الخطى في المساء خجلا من سماءها الصافية بعد المطر  ونحن نجتازها من الربى إلى الربى ومن الجبانة العليا إلى الجبانة السفلى ومن الظهار إلى جولة العدين و كيف كانت تستدرجنا تضاريسها وتشدنا فوضى بنيانها ..
كان محمود درويش يصرخ بيروت نجمتنا بيروت خيمتنا فكانت تنكسر ارواحنا تعز علينا تلك المدن المنهوبة و تلك المدن المأسورة وتلك المدن المكسورة ويعز علينا الذين اخرجوا من ديارهم وهم مكرهون ونحن في مدينة تكاد سنابل القمح ان تضيء ويكاد خرير الماء ان يغني وتكاد السحاب التي تنام فوق رؤوسنا ان تتراقص طربا ..
كانت الرحلة من الظهار إلى السينما يتخللها الهثيم وأصوات الرعد والبرق والأغاني وعيون الجميلات من النوافذ التى يتسابق عليها الشمس والمطر والظلال و الضحك والمرح  .. 
كان يتخللها الحديث عن الحب ولكن على استحياء الحديث عن الحب كان اشبه بوخز الإبر الصينية على القلب  ..
كنا نمر من أمام مدرسة النهضة و ننظر إلى ايادينا وهي تكاد تقطر دما من الضرب الذي كنا نفطر به في أغلب الصباحات.. كان صديقي بشير يتمنى ان تأتي فتاة أحلامه في يوم ماطر لكي يقول لها دثريني وكنت أتمنى ان تأتي فتاة أحلامى في يوم صحو لكي اغني لها هل رأى الحب سكارى مثلنا ..
كانت إب قصيدتنا .. اغنيتنا الجميلة ولحننا النادر لذلك لم نكن نشعر بالضيم لأننا ليس لدينا فيروز ولا عبدالوهاب ولا اوبرا ولم نكن نشعر بالوحشة في الشوارع حتى انه كان بينا وبين الكلاب الفة ..
إب هي تذاكر الذهاب والعودة من وإلى الذاكرة  .. هي حروف النداء  .. وهي الابتهالات وهي السحر الذي يفصل بين الزبد وما ينفع القلب.. هي الترف وهي المدد وهي الود وهي اللقاء وهي الحب وهي أفضل الذكر وأجمل الحديث وأيسر الهدي وهي الحقيقة وهي النور وهي الهدى وهي الندى وهي الغفران  ..
إب المدينة الوحيدة في العالم التي مطاعمها تعد بالاصابع ومساجدها أكبر من اسواقها ومآذنها أعلى من ابراجها  .. لقد علمت العالم كيف يكون الكرم موائد تمشي على الأرض وكيف تكون البساطه انسان وكيف يكون الحب قصيدة  ..
وأنت في إب تحتار بين من ولد اولا إب ام الموسيقى ..  إب ام المطر  .. إب ام الحب  .. إب ام جبل بعدان  .. إب ام وادي الدور  .. إب ام فصل الخريف  .. 
 إب لا يذهب مطرها هدرا اما ان يروي الأرض أو ان يصنع ابتسامة أو ان ينبت ولدا صالحا أنها مدينة تنام بين اهداب السحاب .. مدينة ليس لها شاطئ لكنها تتقاطع مع الشمس رأسيا ومع القمر افقيا ومع الحب سرمديا .. لها نشيدها الخاص ومعجزاتها الخاصة وجمالها الخاص .. كل مدن العالم تنام وتصحو على قلق إلا إب تنام على اطمئنان وتصحو على مطر..
إب مدينة تحمل عنك السهر والتعب والنصب والحمى وتخفي عنك همومها ومصائبها السبع وتقاسمك الفرح والسعادة والجمال .. 

 

الصورة مع الولد محمد في صيف ٢٠١٥ م  ...!!!

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24