الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
تَعَثَّرَ قَلبِيْ بِإِيقَاعِهِ - محمَّد المهدِّي
الساعة 12:38 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

آسِفُونَ عَلَى مَا جَرَى 
قَبلَ مِيلادِ بُرجِ الخَطِيئةِ فِيْ جَرَّةِ المَاءِ، 
لا آسِفُونَ عَلَى مَا سَيَجرِي عَلَى الأَرضِ 
بَعدَ اكتِمَالِ الغَرِيزَةِ فِيْ جَسَدِ الجُوعِ،
وَالانبِعَاثِ الحَرَارِيِّ مِنْ شَهوَةِ الخَردَلَةْ..

سَنُهَدِّئُ مِنْ رَوعِ أَحلامِنَا فِيْ هَجِيرِ المَدَى، 
كَطيُورٍ مُهَاجِرَةٍ قَبلَ مَوسِمِ هِجرَتِهَا الأَوَّلَةْ، 
وَنَظَلُّ نَخَافُ عَلَى بَيضِنَا وَانكِسَارِ الحَنِينِ، 
فَمَنْ سَيُهَدِّئُ مِنْ رَوعِ أَحلامِنَا فِيْ البَعِيدِ! 
وَمَنْ مَعَنَا سَوفَ يَحمِلُ أَعشَاشَنَا المُثقَلَةْ!..

سَنُحَاوِلُ أَنْ نَتَسَلَّى بِعَاطِفَةِ الاختِبَاءِ وَرَاءَ السَّتَائرِ؛ 
كَيْ نَتَنَاسَى عُيُونَ اللَّيَالِيْ وَفَوضَى الشَّيَاطِين 
وَهي تُزَوِّجُ أَوهَامَنَا مِنْ صُدَاعِ الخَطَايَا، 
وَتَحرِثُ أَجسَادَنَا بِعُوَاءِ المَنَافِيْ..

حَتَّى مَتَى سَنَظَلُّ نُحَاوِلُ! 
تَخذُلُنَا فِيْ المَكَانِ المَسَرَّةْ، 
يَخذُلُنَا فِيْ الزَّمَانِ الوُقُوفُ 
عَلَى طَلَلٍ هَارِبٍ بِالمَوَاعِيدِ 
وَهو يُطَارِدُ فِيْ دَمِنَا شَبَحًا 
حَامِلاً طَعنَةَ الغَايَةِ المُكفَهِرَّةْ..

بَابُ الهُرُوبِ يُحَدِّقُ فِيْ وَجهِ كُرَّاسَتِيْ وَدَوَاتِيْ، 
سَأَحمِلُ فِيْ جَرَّتِيْ أَمَلاً أَكَلَتْهُ الحَيَاةُ الصَّغِيرَة، 
ثُمَّ أُدَوِّنُ مَا لا يَهُمُّ الطَّرِيقَ إِلَى بَيتِ ذَاكِرَتِيْ: 
غَابَةٌ فِيْ السَّرِيرِ، وَهَاوِيَةٌ تَهضِمُ الأُمنِيَاتِ.. 
يُصَافِحُنِيْ بَرزَخٌ وَيُعَانِقُنِيْ مَحشَرٌ أَشعَثٌ، 
هَاتِ قِنِّينَتَينِ لِفَزَّاعَتِيْ وَلِشِبهِ الجَزِيرَة، 
لا تَنتَظِرْ مَولِدَ الفَجرِ وَالنَّهرِ وَالعُشبِ 
مِنْ رَحِمٍ مُرضِعٍ لِلشَّظَايَا الكَبِيرَة..

حِينَ بَدَأتُ أَعِيْ فِكرَةَ المُلكِ وَالعَرشِ، لَمْ أَتَأَخَّر 
فِيْ نَزعِ قُبَّعَةٍ وَضَعَتْهَا-قَدِيمًا-عَلَى رَأسِيَ الرِّيحُ، 
قُبَّعَةٍ مِنْ حَرِيرِ الخُرَافَةِ، قُبَّعَةٍ نَسَجَتْهَا الظُّنُونُ، 
اسمُهَا فِيْ كِتَابِ الطُّقُوسِ الصِّرَاعُ عَلَى العَيشِ، 
لَمْ أَتَأَخَّر فِيْ نَزعِهَا، وَبِلا عَائقٍ وَاقِفٍ لِلخُلاصَةِ 
غَامَرتُ فِيْ الزُّهدِ، لا احتَكَرَتْ فِكرَتِيْ المُغرَيَاتُ، 
وَلا شَغَلَتنِيْ الأَمَانِيْ لِتُطفِئَ رُوحِيْ المَسَافَاتُ، 
غَامَرتُ فِيْ الزُّهدِ عَنْ ثِقَةٍ تَستَفِزُّ دُرُوبًا تَطُولُ؛ 
فَلَمْ أَتَوَكَّأ عَلَى سَاقِ أسطُورَةٍ لأُحَمِّلَ سُجَّادَتِيْ، 
عِبءَ مَنْ أَثقَلَتهُمْ وَصَايَا الكِتَابِ فَلَمْ يُسرِجُوا، 
بِالوُصُولِ رَوَاحِلَهُمْ، فَعَبَرتُ المَكَانَ وَلَمْ يَعبُرُوا، 
قُلتُ: لَمْ أَتَوَكَّأ عَلَى سَاقِ أسطُورَةٍ فِيْ البِدَايَةِ، 
وَجَّهتُ وَجهِيْ لأَعمَاقِ رُوحِيْ وَصَلَّيتُ لِلحُبِّ؛ 
فَاختَصَرَتنِيْ الفَرَادِيسُ، فِيْ بَيتِ شِعرِ الخُلُودِ، 
أَضَأتُ الحَيَاتَينِ فِيْ لَحظَةٍ بِنَشِيدِيَ، لَمْ أَخشَ، 
رَدَّةَ فِعلِ أَعَادِيْ النَّهَارِ وَسُرَّاقِ أَقمَارِ هَذَا المَدَى، 
خُضتُ مَعرَكَةً بَعدَ أُخرَى لأَدفنَ حُزنَ الخَلِيقَةِ،
خَفَّفتُ عَنْ خَافِقِ الكَائنَاتِ الكَثِيرَ مِنَ البَطشِ، 
وَحدِيْ بِهَذِيْ الشُّمُوعِ أَغَضتُ الدَّيَاجِيرَ وَحدِيْ، 
أَغَضتُ الدَّيَاجِيرَ فِعلاً فَأَيَّدَنِيْ قَمَرٌ فِيْ المَجَازِ، 
عَلَى رَدمِ بِركَةِ خَوفِيْ، بِأُغنِيَةٍ تَتَحَدَّى الذِّئابَ، 
وَقَاوَمتُ مُعتَقَدَاتِ الأَبَابِيْلِ وَالفِيلِ وَالعَبَثِيِّينَ 
حَتَّى أُصِبتُ بِشَوكَةِ طَائرَةٍ فِيْ ذِرَاعِيْ اليَمِينِ، 
فَكَانَ وَلا بُدَّ مِنْ وَصفَةٍ تَخلَعُ الصَّبرَ عَنْ طَورِهِ 
فَتَخَلَّيتُ عَنْ كُلِّ مِئذَنَةٍ حَرَّضَتنِيْ عَلَى الكُفرِ 
وَانكَسَرَتْ ساعة المَهرَجَانِ لَرَغبَةِ كُلِّ المُصَلِّين، 
لا دَفَعَتْ عَنْ بُكَائيَ ضَربَ الدُّفُوفِ هُنَا وَهُنَاكَ، 
وَلا دَافَعَتْ -رغمَ قُدرَتِهَا- عَنْ دَمِيْ أَوْ صَلاتِيْ..

تَعَثَّرَ قَلبِيْ بِإِيقَاعِهِ مِثلَمَا يَتَعَثَّرُ بِالوَاقِعِ الوَاقِعِيُّ، 
وَدَربُ التَّأَمُّلِ فِيْ الحَربِ، مِثلُ التَّفَقُّهِ فِيْ الدِّينِ؛ 
أُدرِكُ أَنَّ الحُقُولَ سِيَاسِيَّةٌ تَحتَفِيْ بِجِيَاعِ الشِّتَاءِ، 
وَأَنَّ أَلَذَّ العِبَادَاتِ لِلوَحشِ فَاكِهَةُ الرُّعبِ وَالخَوفِ، 
لِيْ شَبَقُ المَعدِنِ الخَامِ فِيْ صُنعِ أَفئدَةٍ لِلسَّكِينَةِ، 
فَالحَربُ فِيْ عُنُقِيْ كَالصَّلِيبِ، فَأَينَ أُخَبِّئُ ذَاتِيَ! 
شَاخِصَةٌ فِيَّ عَينُ ابنِ مَريَم.. لا تَرمِنِيْ بِالصَّدَى، 
كَمْ تَعَثَّرَ قَلبِيْ بِإِيقَاعِهِ، وَالتَفَتُّ كَحَارِسِ مَقبَرَةٍ؛ 
لا لأفلِتَ مِنْ قَبضَةِ البَرقِ أَكثَرَ مِمَّا أُلَوِّحَ لِلمَاءِ، 
مُستَودَعُ الظَّمَأِ البِكرِ يَفتَحُ عَينَيَّ فِيْ الحَالِ، 
عَينَايَ مَفتُوحَتَانِ عَلَى حِكمَةِ الوَاضِحِ الأَمرِ، 
كَيفَ أَغُضُّ عَنِ الهَولِ طَرفَ السَّلامِ المُهَاجِرْ، 
وَسَبَّابَتِيْ لا تُشِيرُ إِلَى فَرَحٍ فِيْ ثُغُورِ المَنَابِرْ!..

جُمجُمَتِيْ فِيْ يَدَيَّ، فَمَنْ سَيُصَفِّقُ عَنِّيْ وَعَنْ نَفسِهِ!،
خَلفَ ظَهرِ النَّجَاةِ عَنَاكِبُ أَزمِنَةٍ، وَكُهُوفٌ سَدِيمِيَّةٌ، 
وَعَلَى الرَّفِّ دُميَةُ مَوجٍ، وَقِندِيلُ رِيحٍ نُحَاسِيَّةٍ، 
وَهَيَاكِلُ عَظمِيَّةٌ لِلضُّحَى، وَسَفِينَةُ جَمرٍ، 
وَذَاكِرَةٌ لِلحَوَاسِ عَلَى شَكلِ مَبخَرَةٍ، 
سَوفَ أَترُكُ جُمجُمَتِيْ مِنْ يَدَيَّ؛ 
لأُنكِرَ فِيْ سَلَّةِ المِلحِ أَمتِعَتِيْ، 
هَذِهِ الغَابَةُ الحَجَرِيَّةُ مَائيْ 
وَهَذَا الدُّخَانُ شِرَاعِيْ.

_______________ـ 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24