الخميس 25 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
قصة قصيرة:
شيطان المسجد - بسام شمس الدين
الساعة 21:39 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

يتجه عبدالصمد كل يوم من المسجد إلى منزله وهو يفر حبات السبحة، رافعا عقيرته بالدعاء، وكلما رأى رجلا قادما يكشر ويقطب جبينه، ويتشح بالحزن، ويقدم له موعظة عن الشيطان اللعين الذي أخرج أبونا آدم من الجنة، إلى هذه الأرض البغيضة، ثم يمضي في طريقه منكسا رأسه، وهو يوشك على البكاء، لذا يحسبه الجميع ملاكا حزينا تائها في هذا العالم الشرير، ولكن حين يغيب في أحشاء منزله الواسع، حتى يرمي قناع حزنه بعيدا، ويستبدله بقناع الغضب، فيرعد ويبرق موجها أوامره الصارمة للأبناء والبنات، وما يلبث أن يهجم على غرف بناته المراهقات ويفتش جوالاتهن باحثا عن رسائل غرامية أو حوارات مشبوهة، ولا يجد شيئا، ورغم ذلك لا يفارق الارتياب محياه ويبحث في الدولاب عن المساحيق وأدوات الميكياج، وينظر إليهن بغضب، فيهرعن إلى المصاحف، ويتظاهرن بالقراءة بصوت عذب، وحين ينصرف يخرجن هواتفهن الاحتياطية ويمارسن هواية الدردشة المحظورة. وبعضهن يخرجن روايات عبير، ويقرأن حكايات العشاق، ويضحكن باستمتاع، ويرجعن لأبوهن الفضل في تعريفهن بهذه الأفعال الصبيانية، والكتب المحرمة، لأنه عندما لاحظ نهودهن تظهر بحياء حذرهن من دخول مواقع الدردشة أو اقتناء الكتب الماجنة، ولكي يثبت لهن أنه يملك معرفة بهذه الأشياء الخليعة، قدم لهن أسماء أخطر مواقع الدردشة، وأكثر روايات الشباب شيوعا وبذاءة، وجلب لهن كتب صفراء رخيصة عن عذاب القبر وأهوال يوم القيامة، ومواعظ الوهابيين والسلفيين.. ولم يستسغن قراءة هذه الكتب المخيفة، واستعرن الروايات من صديقاتهن في المدرسة، وبدأ الفضول يشدهن إلى مواقع الدردشة التي حذرن منها، وأخفين كتبهن وهواتفهن السرية ومساحيقهن وسط دولاب ملابسهن، في درج ملابسهن الداخلية التي يتأفف والدهن منه، إنه إمام مسجد النور، وخطيب مفوه، ويفرض العدالة بين أبنائه بطريقته الخاصة، ويهاجم غرف الذكور البالغين من أبنائه باحثا عن الممنوعات كالصور والمجلات الخليعة والروايات الغربية، ويفرض عليهم أن يلبسوا، ثوب أبيض وسروال يبلغ الكعبين وعمامة مستديرة، ولحية ينبغي أن تنمو وتكسو الوجه بمظهر الصلاح، ويتحتم أن يحملون سبحة للاستغفار من ذنوبهم، ويحفظون جميعا القرآن، ويحضرون الصلوات الجماعية في المسجد، لكن هذا لم يمنعهم أن يمارسوا حياتهم السرية كلما اختلوا بأنفسهم، ولا شك أن والدهم الإمام عبدالصمد كانت له حياته السرية، كان رجلا ميسورا، يملك أربع زوجات، ويبدو متنقلا بينهن كديك بلدي، وينجب منهن أربعة مواليد في العام، ويقول للناس حديث النبي: تكاثروا فإني مباه بكم الأمم، وامرأته الأخيرة كانت إحدى صديقات بناته في المدرسة، وهي من كانت تعيرهن الكتب المحرمة، ويستغرب جيرانه عن مصدر دخله، كان فقيرا ذات يوم، ويعيش بدون عمل معروف، ثم اثرى فجأة، وبنى بضع عمارات، وكلما سؤل عن ذلك يقول: هذا من فضل ربي، إنه يرزق من يشاء بدون حساب. وسكت الناس عنه، واعترفوا أن بوسع الله أن يفعل ما يشاء، وفي يوم من الأيام، وقف الرجل خطيبا يوم الجمعة، وجعل يحذر الناس من المخدرات والحشيش، واستبد بالناس الذهول، لأنهم لا يعرفون هذا الشيء، كيف يحذرهم من شيء لا يفقهون عنه شيئا، ولاحظ الخطيب المفوه دهشتهم ونظراتهم المتعجبة، فانتابه الغضب المفاجئ، وأخرج من لحيته الكثة لفافة بيضاء صغيرة، وصاح عليهم محذرا: أتجهلون هذه اللفافة اللعينة، إنها أجود أنواع الحشيش، لكن أعداء الله دسوها بين منتجاتهم، ويسوقونها بالخفاء، وقد جلبها إلي رجل تاب إلى الله، فاحذروا منها.. وبعد أن فرغوا من الصلاة تحلق المصلون حول الإمام، وجعلوا يتصفحون اللفافة بعجب، وأخذوها من يده، ومضوا وهم يلعنون ويسخطون، وبعد أيام صاروا يسألونه إن كان يحمل شيئا مما جلبه التائبون إليه.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24