الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عبد الرحمن عبد الخالق طفل الليلة قبل الأخيرة الذي لم يشخ أو يمت !! - ‏محمد عبد الوهاب الشيباني‏
الساعة 12:53 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 

قبل قرابة عشرين عاما كتبت عن المجموعة القصصية الأولى لصديقي الراحل عبد الرحمن عبد الخالق... الآن وبعد عام على رحيله اعيد نشر ما كتبته عنه حياً، لأني لم استطع الكتابة عنه ميتاً الا بما يشبه الاعتذار لخذلاننا له ، في جردة الموتي ، وهو الذي يمت في الاصل كاثر مختلف في حياتنا الثقافية والادبية.

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
 

في المجموعة القصصية الأولى للقاص، عبد الرحمن عبد الخالق، الصادر عن منشورات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعنوان "طفل.. الليلة قبل الأخيرة "، سيلحظ القارئ بان الفترة المتباعدة بين كتابة النصوص- يؤرخ أولها بالعام 77- قد فرضت على المجموعة تعدداً كتابياً شديد الأهمية يصعب معه توصيف تجربة الكاتب داخل نسج التحقيب أو التجبيل الزمني، الذي دأبت التناولات النقدية على الاهتداء به للإحاطة ببعض جوانب الخطاب الإبداعي وجملة التأثيرات التي يقع تحتها الكتاب.
ومع ذلك فقد منح هذا التباعد الزمني مجموعة "طفل.. الليلة قبل الأخيرة" خصوصية أقلها الإحالة إلى تتبع تجربة الكاتب في تطورها الكيفي وتراكمها الإبداعي، حتى بمنظور التأثيرات الوقتية التي خضعت لها النصوص وفرضت على المتلقي تشويشاً ،عقَّد بعض جوانب التوصيل في خطابها كموضوع للقص الآن. 

 

التشويش الذي أعنيه بدرجة رئيسية ليس مرده ألاعيب الكتابة والأفكار وحجبهما المعتمة.. وإنما التشويش الذي ينتج عن زمنية الموضوع المتناول كما سنحاول الإبانة في السياق:
نص الليلة قبل الأخيرة الذي كتب قبل ثلاث وعشرين سنة كما هو مؤرخ له في الكتاب، وفي الغالب كتب بمزاج كلي واقع تحت تأثير الذكرى التاسعة لحصار مدينة صنعاء.. ورغم نفاذه الشفيف إلى الوجدان إلا أنه يحيلك قرائياً أو يعيدك إلى أجواء الخطاب القصصي "بمسحته الرومانسية الثورية" ، التي طبعته جراء التحولات الجديدة التي شهدتها البلاد قبل أكثر ما يزيد عن ثلث قرن.

 

توازٍ آخر في زمنية النص يتكشف من خلال "ثيمة" أخرى في المجموعة وكانت فيما مضى مشغل حيوي داخل تجارب القصاصين "الرواد ولاحقيهم المباشرين من الجيل الثاني لكتاب القصة الستينيين و السبعينيين. فنص "حليمة الملالية" ليس أكثر من استرجاع زمني لموضوع تآكل بفعل المتغيرات الوقتية والتبدلات في طبيعة الهجرة ذاتها، أما تعاطي الكاتب مع الموضوع يتم من خلال امرأة تدعى حليمة في منتصف العقد الخامس من عمرها اشتهرت في القرية باسم حليمة الملالية فهي منذ عشرين عاماً ويزيد ما فتئت تهزج بملالاتها الأثيرة:
- ألا. لي.. لي.. لي.. لي.. له
- واني فدى عبده أين ما يكون كان.
" أما عبده فهو ابنها الوحيد غادر قريته قبل أكثر من عشرين عاماً، عمره حينها لم يكن يتعدى الثالثة عشرة سنة توفي أبوه في البحر وهو لم يكمل العامين بعد" ص،54. ويقارب الكاتب موضوع الهجرة أيضاً وبأسلوب مختلف قليلاً في واحد من أجمل نصوص المجموعة وهو نص "ردمان". 
هذه الموضوعات بانقضائها الوقتي، وتشويشها الزمني تحضر كلحظة كتابة بنصوص يسهل التعاطي مع أفكارها الحية.. كنص "وحشة" الذي يكثف فيه الكاتب لحظات الوحدة في ليل امرأة تموء وحيدة على السرير، الوحدة أيضاً تشي بها قصة بديعة في المجموعة هي قصة "عصا العم قوسم" الذي يحيا محزوناً وحيداً بدون عصاته الأثيرة "والتي رأتها جارته المسنة تطير في السماء.. في اتجاه شمس المغيب.. وزادت أنها رأت الشمس وهي تبتلعها" ص، 58.

 

التخالفات الأسلوبية في كتابة هذه النصوص على سبيل المثال تبتعد بدورها أو قل تعاكس أسلوبية نص "جعنان" الذي يبنيه الكاتب على ثنائية المفارقة الساخرة :
"فالحكمة التي تغادر رأس عبده وهو نائم لأنها اكتشفت أن هذا الرأس ليست جديرة بحملها وتتسلل من النافذة. وحين يستيقظ كلب الدار المتحفز، ويبدأ النباح تنط وتسكن رأسه بعدها يبدأ بحك ظهره على جذع شجرة.. يتبول.. يحرك ذيله بخيلاء ويفترش الأرض بهدوء.. وحين يغادر صاحبه الدار برأسه الخفيف التي ثبت عليها "جعناناً" لم يودعه الكلب بالنباح كالعادة ، لأن الحكمة كانت قد سكنت رأسه" ص31.

 

أما النص المختزل عنوانه بحرفي "ق.. ح" ص45 يمكن نعته بنص الاشتباكات اللفظية الباحثة عن مشتركها في حرفين غير المخطط له، أو المناداة التي تنبه الراوي إلى اسمه المركب من كلمتين أحرفهما الأولى أيضاً "ق.. ح" وكل ذلك يتم في حدود المفارقة البسيطة ، التي تنهض على حساب القص ذاته، نص آخر يقع تحت المؤثر نفسه وإن كانت التفريغ السياسي فيه أعلى نبرة، حتى الاشتباكات اللفظية فيه تجوس في هذه المساحة اللاهبة النص عنوانه "سفله" ويحتل مساحة ثلاث صفحات 39-،41.
 

في مجموعة "طفل.. الليلة قبل الأخيرة" يلحظ القارئ أيضاً أن التنوع الحكائي أفضى إلى تنويع ضمائر السرد المستخدمة في القص ابتداءً من ضمير الغائب وانتهاء بضمير المتكلم ، والأخير فصل على مقاسات الراوي في تداعياته المختلفة والمتلازمة مع جملة التسريبات اللفظية التي تتم من ذات ممتلئة بشواغلها.

 

مجموعة "طفل.. الليلة قبل الأخيرة" صدرت بـ "74" صفحة من القطع الصغير مشتملة على 14 نصاً. وزينت غلافها لوحة الفنان الرائد هاشم علي المعروفة في أوساط المهتمين بلوحة "الآبال"..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24