الخميس 25 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
تقديم المجموعة القصصية الجديدة:
" حين أتعثر ببعضي". للقاص اليمني زيد سفيان - سعدية بلكارح
الساعة 13:40 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)




                                     

عرف الأدب الحديث ثورة حقيقية ، ظهرت ضراوتها بحدة في السنوات الأخيرة من هذا القرن.. حيث اشتد أزيز السرد وشقّ مسارات أخرى بمسميات حديثة، تتعدى ما يسمى بالمحايثة  إلى ديناميكية  التأويل والتأمل واستشراف سميائية النص ومشاركة المتلقي في التأثيث بفنية عالية.. ولعل الأضمومة التي بين أيدينا للقاص اليمني زيد سفيان، أنموذجا جميلا  لهذا الجنس الحديث والمتسم بالتنويع الثيمي و ممارسة المعطيات التي تقدّمْنا بها، والتي لا تخلو من  معايير ومقومات القصة القصيرة جدا.. التي تميزها عن باقي الضروب المستحدَثة الأخرى.. تمييزا يجعل القاص زيد( الذي سبق أن  أصدر مجموعته القصصية الأولى"باقة جمر" جنس القصة القصيرة جدا) يَكسب مهارة التحكم في آلياته. بعمق رؤيوي بعيد الدلالة..وأنساق مختلفة..
 

ولعل تجربته تلك مكنته من  استعمال  "ميزان التسوية"  كالبنّاء المعماري، لضبط استقامة النص وعدم انزلاقه في تعريف آخر غير القصة القصيرة جدا. وهذا الميزان يؤتَى المتحكمَ في آلياته، العارفَ بمقومات هذا الجنس التليد الذي رغم مرور زهاء النصف قرن من ظهوره ما فتئ يعاني من الاختناق بحبله السّري..
ولعل أهم عناصر القصة القصيرة جدا الحكاية والمفارقة..اللتان وظفهما الكاتب هنا في نصوصه بحرفية لا تخلو من مغامرة و جرأة تخلخلان موروث القارئ وتربكان خلفيته.
فمتى غاب هذان العنصران حذا التصنيفُ الخاطرةَ أو ما شابه من النثر.
وأجزمُ أن هذا الجدل الذي أولى القصة القصيرة جدا اهتماما كبيرا في الساحة الثقافية، وهذا الانكباب على إراقة المداد لتحضير مقاربات نقدية حولها، ترسيخا لهويتها التي لا شك أنها في دورة تخصيب مستمر..  سيؤتي نتاجه الطيب في المستقبل، ليكبر هذا المولود الهجين أخيرا ويأخذ تعريفه الدلالي النهائي، بعد كل هذه المخاضات والجهود الراهنة.. ناقلا معه حمولة ثقيلة جدا من الأحداث الحاضرة، المضرّجة في الفساد العامّ الذي طال جميع الأجهزة.. مخلفا عاهات نفسية  واجتماعية مهولة..  
ولعل إرهاصات ما يسمى بالربيع العربي أو الارتباك والضعف العربي قد أغرقت الكتابة العربية حاليا في تأزمات كبيرة وثيمات لا تنفك تتكرر في كثير من النصوص مما يعيق بعض الكُتاب الذين تورطوا في النمطية ويجعلهم محاصَرين بها.  فأضمومة القاص زيد سفيان تثبت مواكبته لعناصر ومقومات الكتابة القصصية موظفا جميع مهاراته، من اختيار ذكي للعناوين (بوابة المتون)، إلى لفة منتقاة بعناية، تخاطب كل الفئات، النخبوية والعادية. بتضمين رسائل واعية بأسباب التوتر في الوطن العربي من المحيط إلى المحيط.

 

فبمعاول من صرامة يهدم القاص زيد في أضمومته  كل مؤشرات التفرقة الناتجة عن القبح الأخلاقي والسياسي والاجتماعي، محاولا وضع خطاطات بتوقيعه  تدعو إلى نبذ التفرقة الدامية وترميم ما انهدم لإعادة إعمار النفوس بالأمان المفتقَد، داخل أوطانٍ تعاني من تبِعات إيديولوجية مَرضية.. ومن ويلات حروب غبية، مستعمِلة خلفية دينية مواربة...
ولعل ما سأدرجه من أمثلة لكافٍ لاستقراء مضامين مميزة ومتنوعة..

 

فمثلا في نص بارانويا
تضمر العتبة إيحاء مستفزا لاستشراف خلفية المتن.
هناك دعوة لرج المحتوى قبل استعماله..
داخل المتن، وبإيعاز من السارد نحضُر معه بانوراما  أحداث ما بعد "فوضى" الربيع العربي.. تلك الفوضى التي فجّرتْ أحقادا عقائدية كانت تحت الرماد. لتنقل رمادها إلى السطح.. ليرتسم جنون المقنّعين بزي الدين وشعورهم بالعظمة والاختلاف.. تماما كما يرمز العنوان..
الكاتب ضمّن نصه إشكالية عرقية طائفية تعاني منها الأمة العربية والمسلمة عامة إذْ تكتوي بمرجعية الدم والإبادة..

 

وفي نص تدوير:
توظيف دلالي قوي لتدجين أدمغة الأطفال في المدارس حسب الرغبة الحاكمة والمسيطرة.. رسالة قوية تضمينية لسيادة تعليم فاسد في الوطن العربي بعيدا عما تدعيه الأنظمة من هلوسات حقوقية و ديموقراطية .
أما  في نص شقاوة.. نجد حضورا لذيذا لفترة عمرية يشتد فيها نبض القلب الذي تتراشقه سهام وهمية..
ثيمة النص تمت صياغتها بطريقة احترافية في نص شديد الاختزال واسع التخييل، بتعاقب زمنين، ماضٍ انقضى وحاضرٍ يستمد خيوط حكايته من ذاك الماضي..لتظل تلك الرواسب حية في القلب..
القلب مصدر العواطف والمشاعر المتقلبة..

 

النص من العنوان إلى القفلة يمثل تجسيدا لحمولة الكاتب من مشاعر جميلة تفسر طغيان التصور الشاعري والجملة  الشعرية الحبلى بالجمال داخل المتن السردي للقاص زيد سفيان في معظم نصوصه..ويميزها بالتعددية والنضج المقارباتي.
 

كما تعتبر الجملة الفعلية ركيزة مهمة تعتمد عليها القصة القصيرة جدا في البناء  وتعد من أهم  تقنياته التركيبية والدلالية. تدل على الإخبارية والتوثيق(الفعل الماضي) أو على الحركة والتوتر(الفعل المضارع). وهذا ما اعتمده كاتبنا الأستاذ زيد سفيان في أضمومته هذه.. ليدخل بها معتركا لمواجهة جميع التحديات..الخاصة بهذا الجنس المستحدَث كما أوردنا.. ليكسب الرهان ويضيف إلى الموروث الثقافي اليمني خاصة والعربي عامة تجربة غنية وشاملة..
متنمية له التوفيق...

 

كاتبة مغربية

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24