الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
على نبض الأسى - سكينة شجاع الدين
الساعة 17:09 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

 

انيهار سامي أمام الأحداث التي مرت به جعلته واهن القوى، غير قادر على التفكير في حل 
ظلت حالته تزداد سوء كلما تذكر أنه السبب فيما حدث لوالديه.... 
تكالبت عليه الظروف وحاصرته الحاجة وهو يحاول الوقوف على قدميه مرة أخرى
لم يكن لدى منى رغبة في إبلاغه بآخر التطورات التي حدثت لمعرفتها المسبقة بماستؤول إليها حالته.
غادرت البيت بحجة أن لديها عمل في المنظمة ودعته وهي تنظر إليه بعينين حانيتين 
فهي لاتدري هل ستراه مرة أخرى أم أنه آخر لقاء لها به .
غادرت المنزل مودعة كل شبر فيه دون أن يشعر بها أحد 
أوصت زوجة سامي بأن تظل على عهدها بها مهتمة بسامي 
فلابد أن يأتي اليوم الذي يعود إليهم كما كان 
غادرت البيت واستقلت سيارة أجرة تقودها إلى المجهول 
فلا تعلم عن مهمتها سوى أنها ستكون كبش الفداء الذي سيقدم لإنقاذ والديها من الورطة التي اقحمهما فيها سامي 
سارت بها السيارة إلى المكان المتفق عليه 
لاتلوي على شيء سوى متى ستلتقي بالسيد فهمي الذي اتصل بها وأخبرها إذا كانت تريد والديها فعليها أن تأتي لتتبرع بإحدى كليتها لولده الذي كان يموت كل يوم أمام ناظريه ولايقدر على عمل أي شيء 
تلك الحقيبة التي أخفق والدا 
سامي في الحفاظ عليها كانت أمله الوحيد... 
كان والد سامي عائد من الهند حيث كانت رحلته العلاجية 
وكان السيد فهمي تاجر أقمشة وسامي كان موظف في مكتب السيد فهمي أعجب بأمانته وسلوكه السليم ، فكان يستغل ذلك كلما سنحت الفرصة بإرسال جزء من بضاعته مع معارف سامي أو من كان يقترحهم عليه بحجة أنها أقمشة وملابس كان يوردها لأصدقائه الذين يسهلون له المعاملات هناك ....
دخل سامي أخبر السيد فهمي أن أبواه مسافران للعلاج في الهند لو كان يريد منه خدمة لتلبيتها ....
جهز حقيبته ويوم موعد السفر أخذها سامي وسار مع والديه لتوديعهما وحمل الأمتعة معهم 
غادر بعد إنتظار طويل لشحن الحقائب فطلب منه والده العودة ، وأنه سيشرف على ذلك بنفسه .
وفي صالة الانتظار وقبل وزن الحقائب والختم عليها، ظهر رجل متوسط العمر يحمل حقيبة كحقيبة السيد فهمي وضعها إلى جوار الحقائب ،
لم يمكث غير خمس دقائق ثم أخذ الحقيبة وعاد من حيث أتي .....
أكمل والد سامي الإجراءات وهو يدعو لسامي بالهداية لأن الحقيبة كانت شبه فارغة أحس ذلك حين سار بها إلى الميزان ...
وصلت الرحلة 
وانتظر والد سامي الشخص الذي اتفق معه ليأخذ حقيبة صديقه ....
وسار إلى الفندق 
تمت رحلته العلاجية وبعد شهر عاد وكان يستغرب وجود سيارة تراقبه أينما اتجه 
ثم يكذب حدسه بأنه مجرد وهم ....
لم تطأ قدمه أرض المطار حتى كانت هناك سيارة تنتظره 
خرج حاملا حقائبه فتقدم شخص ليحملها عنه 
وآخر يلصق فوهة مسدسه في خاصرته بأن يسير بهدوء دون جلبة .
تلفت يمينا ويسارا عله يرى والديه في استقباله لكنه لم يجد أحد. 
غادرت السيارة بسرعة جنونية في حين كان هناك شخص قد بخ في وجه الرجل وزوجه رائحة جعلتهم لايقوون على الانتباه لأي شيء ...
وصلا إلى مكان مجهول لايعرفان سبب أخذهما إليه ....
وضعا في غرفة مظلمة تفوح منها رائحة العفن 
مع ضوء خافت لايكاد الرائي يتبين ملامح من يقف إلى جواره 
يدعوا الله أن يفرج عنهما هذه الشدة. .. 
دخل عليها رجل من هيئته التي ليست واضحة يبدو عليها
أنه رجل له مكانة.. 
يفاصل والد سامي بالثمن الذي يريده ليعيد إليه حقيبته 
فاستغرب حديثه .....
أي حقيبة؟! وهو قد سلمها فور وصوله...
رد عليه بحنق أنها لم تكن الحقيبة المطلوبة ..
فأخذ والد سامي يحلف أنه لا يعلم عن ذلك شيء غير مارواه له ...
في هذه اللحظة كان سامي ومنى يبحثان عن والديهما بكل لهفة وتنزع أرواحهما حين لايجدا لهما أثر 
ذهبا تأكدا أنهما ضمن من وصولوا ....
اتصل سامي لزوجه علهما غادرا ووصلا البيت 
لكنها تجيب بالنفي... 
عندها إتصل السيد فهمي يخبر سامي أن والديه في ضيافته 
وأنه سيعيدهما فور معرفته بعض المعلومات .....
لكن دون جدوى مر أسبوع وهما لم يظهرا بعد والسيد فهمي لاياتي لدوامه .....
اتصل لسامي يحذره إذا لم يخبره والده أين ذهب بالحقيبة. . 
فإنه سيخفيهما من على وجه الأرض 
لم يستوعب سامي حديثه دارت به الأرض وهو يردد أبي أمي.. أنا من سبب لكما هذا الألم .....
أصر سامي على السيد فهمي أن يحكي له ماحدث... فاتهمه بأنه شريك والديه في المؤامرة ...
وأنه سيقتل الجميع أن لم تظهر
مقتنيات الحقيبة .
لا تعلمون أيها الأوغاد كم تكلفني كل قطعة قماش وماذا تحتوي تلك الفصوص المزينة لها ساقتلكم جميعا ....
عاد إلى البيت ولم يقدر على الحديث فكان الصمت والخواء 
كلما يملكه ....
أنهار ولم يقدر على الحركة فحملته شقيقته وزوجه إلى المشفى ، وكان كلما صحا يصرخ 
أنا السبب ...كيف سأراكم و تلتقي عيناي بكم أمي.. أبي ؟
ولايسكت إلا حين يحقن بمهدئ ليسكن في نوم عميق .
إتصل السيد فهمي فكانت منى من ردت عليه ابتعدت عن غرفة سامي وبدأت تتوسل إليه. ..
وترجوه أن يترك أبويها له مايريد لوكان الثمن حياتها 
وهو يصرخ ، ويتوعد بأن ثمن بضاعته هي حياتهم جميعا ....
فطلبت منه أن يحدد مايريده وهي مستعدة لسداده .
ظل يومين دون أن يتواصل معها وسامي في حالة سيئة من المرض ، وتأنيب الضمير الدكتور يحذر لابد أن يتجنب التوتر ....
إتصل السيد فهمي مساوما لمنى على حياتها مقابل حياة أبويها ؛
فقبلت على الفور... المهم أن تصل إليه وعليه الإفرج عن والديها... 
لم تعد تلوي على شيء سوى عودة أسرتها إلى حياتها وحالة أخيها التي لن تشفى، إلا لو رأى والديه أمامه ....
وصلت إلى حيث اتفقت معهم فوجدت سيارة في انتظارها حاسبت التكس...
ركبت منطلقة معهم إلى الموت.... دخلت السيارة في طرق فرعية بعيدة عن الشارع العام انحدرت لتجد نفسها في واحة كبيرة فيها منزل تبدو عليه علامات البذخ الأشجار تحطيه من كل إتجاه مع سور مرتفع يحيط به .
فتح الباب ظهر الكثير من الحرس لم تأبه لكل ذلك!! لديها رسالة أسمى من كل ذلك ....
خرجت من السيارة اصطحبها أحدهم إلى صالة خارجية وبهو مفتوح للضيوف
وجدت شخص بسن والدها بانتظارها لاتبدو عليه علامات الإجرام غير تلك النظارة التي يضعها على عينيه فلم تتبين نواياه .......
هتف به الرجل وهو مستغرق في تفكيره... هذه الأمانة سيد فهمي ...
أنتبه لوجودها طلب منها الجلوس ...
قال لها بصوت حازم: تعلمين ثمن بضاعتي التي تسبب والداك في ضياعها .
قالت : قبل أن نتفق أريد أن أتأكد أنك أخليت سبيل والدي 
إتصل برقم ثم فتح اسبيكر المكالمات.... فرد عليه السائق نعم سيد فهمي الآن نحن قريب 
البيت في حارة الإعلام ....
يهتفان شكرا لك سيد فهمي على كرمك معنا، ونعتذر عما سببناه لك من خسارة 
فاغلق الهاتف.. 
والتفت إلى منى ، وهي تبكي 
أخذها من يدها إلى غرفة مجاورة فتح الباب دخل ثم تعبته ....اتسعت عيناها !!حين رأت فؤاد ممددا على السرير لم تقدر على منع نفسها من الإقتراب منه فؤاد ...
ماذا فعلوا بك ؟ ولم أنت هنا؟! أين ذهبت وتركتني ؟!
فلمعت عينا فؤاد ، وأخذ يجمع أنفاسه المبعثرة منذ رآها أمامه 
وقال لها: أنا بخير فقط اشتقت إليك .
ذرفت دموعها وهي ترى شحوبه 
تحدث السيد فهمي هذا هو ثمن بضاعتي يا منى ......
فؤاد ولدي الوحيد لاحياة لي إن أصابه مكروه .
فتحت عيناها مندهشة فهي لم ترى فيه يوما علامات الأبن المدلل ولا وجدت فيه إلا رجلا متكامل الأخلاق بعيدا عن تعالي أبناء الذوات وحين فارقها قبل شهر كانا على إتفاق أن يتقدم لخطبتها ولم يكن في حسبانها أنه قد أصابه مكروه 
حدثها طويلا عن اشتياقه 
إليها ، وكم يرجو أن يجمعهما بيت واحد.
أخذت تهدئ من روعه وتشاطره أحلامه بأنها لن تكون لسواه 
طلبت منه أن يهدأ، وأن الأمور 
لن تكون إلا كما يحب 
رد السيد فهمي : حاول أن تنام هاهي من تريدها إلى جوارك ولن يفرقكما أحد. ......
غادر الأب معها الغرفة وعاد بها إلى غرفة الضيوف 
فطلبت منه أن يحدثها عن حالة فؤاد... فأخبرها بكلما حدث له منذ فحصه الطبيب
أخبره أن لديه إحدى كليته متوقفة عن العمل ، والأخرى بدأت فيها اختلالات ولابد أن يبحث له عن متبرع كي يتداركوا الخطر. 
فردت.. دون تردد هيا بنا علينا أن نسرع في عمل الفحوصات اللازمة لمعرفة التطابق بيننا 
لدي نفس فصيلة الدم التي لدى فؤاد....
التفت إليها السيد فهمي 
وفي عينيه انكسار .....
أعتذر لكل مابدر مني يا- منى 
ألم أقصد أن أسبب لكم كل هذا الألم ...لكن وحيدي سيموت أن كنتي بعيدة عنه .
ولم يخبرني إلا بعد معرفته بمرضه أنه كان يعتزم خطبة زميلة له وجد فيها مواصفات الزوجة التي تليق بعائلته ،
ولكني كنت أفكر فقط في صحته..... 
خاصة أن الأطباء أكدوا شفاءه إن وجد متبرعا، فسألته عنك وعن مقر إقامتك ...تعمدت لقاء سامي، وحاولت التعامل معه بحب لأكسب وده ، عرفت أنه يبحث عن عمل ، أخبرته أن لدي وظيفة شاغرة في مكتبي 
وقد لمست منه من الأخلاق ماجعلني أتمسك بكم جميعا ....
لكن أعيتني الحيلة.... لوطلبت يدك ، وفؤاد بهذه الحالة لن يوافق ولداك؛ فلم يكن أمامي غير حيلة الحقيبة... حتى أفاوضك أنت بذلك كي تكوني بجواره فهو في أمس الحاجة إليك .......
ذرفت الدموع ، وهو يعتذر عن مرض سامي، وأنه ما أراد للأمور أن تسير هكذا ....
لكن أسألي والديك ....لم أتعامل معهما إلا بكل إحترام 
كنت أعرف إنك تدفعين حياتك فداء لأسرتك 
ما أريده ألا تخبري فؤاد بذلك، قدري مشاعري كأب..... 
وعدته بذلك ، وزادت بقولها حتى أهلي ماحدثتهم إلا أني في مهمة عمل من منظمة تطلب مني أحيانا السفر لإجراء دورات في أماكن مختلفة....
ماأريده الآن هو صحة فؤاد .
نظر إليها بامتنان.... ثم أخذ يجهز إبنه للذهاب لجناح المستشفى الذي تم حجزه حتى يجدوا متبرعا ......
طائرته الخاصة كانت على أهبة الاستعداد للإنطلاق 
تحلق بها مع أحلامها فتارة تنظر
لحبيبها ، وتارة للفضاء كي تبثه ماتشعر به من سعادة ، وأمل 
فور وصولهم كان كل شيء معد حسب إتصال من السيد فهمي لإدارة المشفى .....
كانت كل الفحوصات اللازمة مبشرة بتطابقها مع فؤاد 
دخلت غرفة العمليات بعد أن ودعته حتى دخل غرفة العمليات دون أن يعلم من هو المتبرع ......
تمت العملية بنجاح أفاق من التخدير يهذي بمنى ، والأب يرجو أن تسترد صحتها بسرعة كي تكون إلى جواره .
طالت غيبوبتها حتى انتبه فؤاد تماما....لاحظ عدم تواجدها 
شعر والده بحزنه فقال له : أنها ستأتي لابد أنها تأخرت في تسوقها!.. رفضت الذهاب لكنه أصر عليها بأنه يريد أن يراها فؤاد في أبهى حلة.... حين يصحو 
استغرقت خمس ساعات حتى عادت إلى وعيها ....
رجحوا ذلك إلى ضعف في بنيتها، وزيادة نسبة المخدر 
جاءت إليه في المساء ، وهي تبدو شاحبة ....إلا أنها حاولت أن تغطي ذلك بمساحيق أضافتها كي لايلحظ مابها.....
خمس من الدقائق طلب منهما الطبيب الجلوس معه لأنه مرهق ولم يرتح منذ صحا من العملية .....
طلبت منه الراحة ،و ستذهب مع والده كي يخلد للنوم، وتراه في الصباح ....
ودعها بكل مافي قلبه من حب ، وبادلته ابتسامتها التي تسحره 
عادت للغرفة المجاورة 
مستندة على الممرضة بعدخروجها من غرفته... شكرها الأب من أعماقه على موقفها النبيل ، وسعادته لأنها عادت للحياة مجددا. 
فقالت له: لاتخف أنا بخير مادام فؤاد، كذلك تعاهدنا أن نكون معا 
في صباح اليوم التالي قام فؤاد من سريره نشيطا، فأحب أن ترافقه الممرضة بأروقة المشفى...
لم يتعد غرفته بضع خطوات حتى رأى منى ووالده في الغرفة المجاورة 
استحث الممرضة بمساعدته ليصل إليهما 
التفت منى حين أحست وقع أقدام 
وجدته فنظرت أمامها دون كلام ...
حين قام والده ليمسك به ، وهو يخاطبهم ....
ماذا بكم؟! 
لم أنتم هنا ؟مابك يامنى ؟
أنا بخير مجرد إرهاق فقط ،
ونقص في السوائل 
التفت والده إليها 
إلى متى ستخفين عنه الحقيقة ؟
وهل مثل هذا الأمر يخفى عليه ؟
رجته أن يسكت.... 
لكنه سرد لولده ماقامت به منى، وأنها المتبرع الذي أتى لينقذه 
جلس بطرف السرير مقابلا لعينيها ينظر إليها بعتاب مملوء بالحب والامتنان..... 
لكنها منعته عن قول كلمة واحدة ، وأطلقت لعيونهم العنان لتقول ماتشاء .....
لم تدري كم مر عليهما من الوقت 
فلم ينتبها إلا للطبيب يهمهم 
لن تخرجوا من المشفى إن لم تحافظوا على صحتكم.
رد فؤاد : لن اتحرك حتى تضعوا لي سريرا إلى جوارها كي أرعاها..... 
فرد الطبيب : وأنت من سيرعاك ؟!
أنا بخير دكتور سأهتم به 
ضحك الطبيب ، والأب طلب أن يعدوا له سريرا إلى جوار منقذته فما بقي غير يوم واحد ويغادرا.....
ظلت منى ، وفؤاد طوال الليل يفكران بحياتهما معا، ويتبادلا الأماني أنهما لن يتركا فرصة دون أن يكون معا ، وسيكون عرسهما بسيطا ، وأنيقا حتى تكون سعادتهما كبيرة 
غمرهما النوم فناما ،لم يكن حبهما مجنونا حيث كان يحترماه ، ويقدسان كل مبادئه 
صحا فؤاد نشيطا مستبشرا بيوم أجمل يجمعه بأمانيه ...
التفت جهة منى لم يجدها 
قام يبحث عنها بلهفة. ....
وجد الطبيب ، فسأله عنها فاطرق.....، ولم يجبه 
وجد والده في نهاية الممر يبكي بحرقة ....
ماذا هناك؟! لم لاتردون علي؟! أين منى ؟
أتتها جلطة دماغية قبل ساعة حاولنا إنقاذها لكن دون جدوى..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24