الجمعة 29 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
إلهام مانع: الوحدة بعد الـ 94 لم تقم على أساس شعبي
الساعة 03:15 (الرأي برس - عربي)

أكدت الأكاديمية والكاتبة اليمنية السويسرية، الدكتورة إلهام مانع، أن «اليمنيين لا يريدون سوى مستقبل آمن لأطفالهم، ودولة تحترم كرامتهم وحقوقهم. وأنهم، أولاً وأخيراً، من يجب أن يقرروا طبيعة الدولة التي ستخرج من رحم هذا النزيف والمخاض»، مشيرة إلى أن «النساء اليمنيات، هن الأكثر تحملاً لنتائج الحرب، التي تدخل عامها الرابع».
وتحدثت المانع إلى «العربي»، عن الوحدة اليمنية، وقضايا الحقوق والحريات، ومكافحة الإرهاب في اليمن، والعالمين العربي والإسلامي، ومواضيع أخرى ذات صلة. إلى الحوار...

الأكاديمية والكاتبة الدكتورة اليمنية السويسرية إلهام مانع، حدثينا عن ما تختزله ذاكرتك لأبرز حدث عايشتيه في اليمن؟
حدثان في الواقع. الوحدة اليمنية في العام 1990، وإنتفاضة الشباب في العام 2011. في الحدثين شعرت بالأمل والفرحة. في الأولى، لأني كنت على قناعة أن الوحدة اليمنية، التي تمت في حينها إختياراً، ستوفر لليمن مكانتها الإقليمية التي تستحقها. لكن حرب العام 1994 وما تلاها من أحداث، جعلتني أدرك، أن أية وحدة سياسية، إذا لم تكن قائمة على أساس شعبي يدعمها، لا داعي لها.
انتفاضة الشباب كانت رائعة في مثاليتها، لكنها اختطفت من العناصر العسكرية والقبلية، التي كانت تتناحر مع نظام علي عبدالله صالح. لن أنس هذين الحدثين، لأني تعلمت منهما، أن الآمال إذا لم يحسن التخطيط لها، والعمل عليها بعقل علمي، وإستراتيجيات واضحة، تتبعثر عادةً هباءً منثوراً.

أنت أستاذة محاضرة جامعية في عدد من الجامعات السويسرية والأمريكية، ما الذي تقولينه لطلابك فيما يخص واقع اليمن؟
أقول لهم ولهن إن الوضع أكثر تعقيداً مما نقرأه في الصحف، وأن الأزمة في اليمن، وإن كان لها بُعدين، إقليمي ووطني، فإن جذورها في داخل اليمن. أقول لهم ولهن، إن اليمن أكثر من يمن، وإن تجاهل إرثنا التاريخي، الذي أدى إلى إقصاء مناطق وأقاليم وجماعات لن يتبخر في الهواء مع توقيع أية إتفاقية تتجاهل هذا التاريخ. أقول لهن ولهم، إن اليمنين واليمنيات، مثلهم مثل أي شعب آخر، لا يريدون سوى مستقبل آمن لأطفالهم، ودولة تحترم كرامتهم وحقوقهم. وأنهم وهن أولاً وأخيراً، من يجب أن يقرر طبيعة الدولة التي ستخرج من رحم هذا النزيف والمخاض.

لك مؤلفات علمية وروايات أدبية متعددة، ترجمت إلى لغات مختلفة. يتساءل البعض، لماذا معظمها مركزة على مشكلة التطرف الديني؟
كتبت عن التطرف الديني وجذوره في كتابي الأخير المنشور باللغة الألمانية، وعنوانه بالعربية «داعش التي فينا». لكن كتبي تنوعت في مواضيعها، كل ما يجمعها همنا المشترك، أي همُ الإنسان في منطقتنا. لذا، تجد أن أحد أهم كتبي نشر باللغة الإنجليزية في العام 2011، تحت عنوان الدولة العربية وحقوق المرأة: فخ الدولة المستبدة.


الكتاب، الذي كتبته بعد دراسات ميدانية في عدة دول عربية، يحدد خصائص الدولة العربية المستبدة، وكيف تنعكس على واقع حقوق المرأة في بلداننا. والأهم، أن الكتاب كشف الدور السياسي لقوانين الأحوال الشخصية في استمرار تجزئة المجتمع إلى طوائف وجماعات وقبائل، وحفظ تماسك البنية التقليدية للقوى الحاكمة. ولذا، لا يستطيع إنسان في مجتمعاتنا إلى يومنا هذا في الزواج في بلده زواجاً مدنياً. هم الإنسان لا يقتصر فقط على منطقتنا. لذا، تحدثت عن نتائج تطبيق الشريعة في محاكم في بريطانيا بإسم احترام الحرية الدينية. هذا الكتاب الذي صدر بالإنجليزية في العام 2016، تحت عنوان المرأة والشريعة، يظهر طبيعة الإنتهاكات التي تحدث تحت هذا النظام، ويتحدث بشكل مفصل عن الشريعة الإسلامية، والتي أعرفها بأنها منظومة فقهية تم وضعها بين القرنين السابع والعاشر الميلادي، ولذا، فإنها تعكس واقعها التاريخي والمجتمعي في ذاك الحين، وتنتهك في الروح والفعل مفاهيم حقوق الإنسان كما نفهمها اليوم.


ولن أنس بطبيعة الحال، كتابي الذي صدر باللغة الإنجليزية في العام 2005، تحت عنوان: العلاقات الإقليمية في منطقة الخليج، والذي قدمت فيه مدخلاً لدراسة تلك العلاقات من خلال دراسة البني السياسية والمجتمعية للقوى داخل اليمن، السعودية وسلطنة عمان، وكيف تنعكس وتشكل علاقاتها الخارجية والإقليمية.


لدي كتب أخرى بالعربية والألمانية، لكن هذه الكتب الثلاثة هي أهمها. أخيراً، وأرجو أن لا أكون قد أثقلت عليك، فإن لدي روايتان، صدى الأنين تحدثت فيها عن قصة والدتي من ثلاث رؤى، والدتي ووالدي وأنا. كل يسردها كما يراها.

حضرتك عضو في اللجنة الفيدرالية السويسرية لحقوق المرأة، ما هو تقييمك لحالة حقوق المرأة اليمنية في ضل الحرب التي ما تزال تدور رحاها في اليمن؟
كل الشعب اليمني يعاني مما يحدث في اليمن. أطفالاً شيوخاً، نساءً ورجالاً. لكن النساء عادة هم الأكثر تحملاً لنتائج الحروب والدمار. هي التي تبحث عن لقمة العيش لأطفالها ولأسرتها، تكد من أجلها، وهي آخر من يأكل في أسرتها، وتتحمل وجع الجوع في صمت.. زد على ذلك، أن البنى الصحية والهياكل التحتيتة اليمنية، التي كانت في حالة يرثى لها قبل الحرب، انهارت، ولذا، تجد على سبيل المثال، أن عدد النساء ممن يمتن أثناء الولادة في تزايد، وأن المشاكل المجتمعية التي يعرفها المجتمع اليمني كزواج الصغيرات، تفاقم إلى نسب مؤلمة. في الحروب المرأة هي الأكثر تعرضاً إلى العنف الجنسي كسلاح حرب. إلى حد الآن، كان هذا الأمر غير معروف في اليمن، على الرغم من كل حروبها، ربما بسبب العادات القبلية، التي تعتبر التعدي على المرأة عيباً بشعاً لا تسامح فيه. لكن للأسف الشديد، فإن إستخدام مرتزقة من قبل بعض قوات التحالف، أدى إلى سماعنا عن بعض الحالات التي تشي بحدوث مثل هذه التجاوزات البشعة.

في إحدى كتاباتك قلتي «إن موجة التطرف الديني، هبت علينا من وسط نجد، وقضت على ممارساتنا الدينية»؛ ما الذي كنتي تقصديه في ذلك؟
هل كذبت في هذا القول عزيزي؟ أنا أتحدث تحديداً عن المد الأصولي الديني، الذي هبت علينا رياحه من وسط نجد، وتحديداً الحركة السلفية الوهابية، التي جاءت إلينا مدججة بأموال ومساجد وآئمة ومراكز دينية، وإنتشرت في كل أنحاء العالم، بقوة المال، الحركة الأصولية الدينية، والإسلام السياسي، تقول لنا إن كل ما عرفناه من دين كان كفراً، وأن الدين هو دينهم، ولو تمعنت قليلاً، ستجد أن ما روجوا له ومحقوا معه التقاليد الدينية المحلية المتنوعة، ما هو إلا تفسير ديني متطرف، يمكن تسميته ببساطة خطاب كراهية.


لكن كي أكون أمينة معك. الوهابية السلفية ليست وحدها المسؤولة عن التطرف، الذي لحق بالدين الإسلامي. الإسلام السياسي بصورته السنية والشيعية، تماماً، كما التيارات الدينية الأصولية المتطرفة، من جنوب شرق آسيا، كل هذه الحركات، ساهمت في تطرف الدين الذي نعايشه اليوم.

نفذتي مبادرات وفق أطروحات فلسفية خاصة بك، تعرضت على إثرها لهجوم لاذع من قبل كتاب وناشطين إسلاميين، كيف تردين على من يتهمك بازدراء الإسلام؟
أقول لهم، إن النقد للتجديد والإصلاح ليس إزدراءً.هو حق للإنسان، أن يفكر، وأن يعبر عن رأيه وتفكيره بحرية. وللأسف الشديد، أصبح اليوم إزدراء الأديان سلاحاً يُستخدم لفرض الصمت على كل من يفكر بشكل مستقل أو نقدي. الأزهر اليوم يستخدم هذه التهمة، لكتم أصوات من ينتقدون قراءته القرو أوسطية للدين، ونَشره لِخطاب كراهية أصولي.


لو أردت أن أترك الإسلام لفعلت. أنا أعيش في دولة تحترم حقي في اختيار الدين الذي أريد، أو حقي في اللا دينية والإلحاد. ليس هناك ما يعيب في ذلك. ليست جريمة. لكني لم أفعل. لم أفعل لأني على قناعة أن التغيير ممكن، وأن التغيير ضروري، لاسيما وأن ترك الساحة الآن، لن يؤدي إلا إلى إختطاف هذا الدين من القوى الأصولية الإسلامية السياسية.


ولذا، فإني لا أفعل أكثر من قول الكلمة، وأنا أعنيها، ثم أطبقها في العلن. لا أنافق ولا أكذب. أحترم تراثي وتاريخي، لكني أدرك أن المرض تخلل في كياننا، وأن علاج هذا المرض، لن يتم إلا من خلال معالجة جذورة، وإصلاح الدين أولاً، ثم مواجهة التيار الإسلامي الأصولي، والإسلامية السياسية ثانياً، هما بداية الطريق نحو إعادة هذا الدين إلى حيزه الروحاني الخاص، واحترامه لِكرامة الإنسان، حقوقه وإرادته.

تنقلتي في معيشتك ما بين إيران والكويت وأوروبا وأمريكا... برأيك، ما هو الفرق الجوهري الذي لمستيه بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية هذه؟
دعني أحدثك تحديداً عن الفرق بين الدول الغربية التي تتبني نظاماً ليبرالياً ديمقراطياً يحترم حقوق الإنسان، ويقوم على مفاهيم العلمانية والتنوير، ودولنا الإسلامية.
لعل الفرق الأساسي هو في مقدرة الدول الغربية على التعلم من أخطائها والفكر النقدي. هذه المقدرة تُغرس في الطفل منذ نعومة أظافرهم. «فكر لنفسك، إنتقد، ولا تخاف». يتعلم الطفل أن هناك قواعد للنقد، والبّناء منها، هو الذي يدفعنا إلى الأمام. تماماً كما أن تقبل الإختلاف في الرأي، والتعددية، والتنوع، هو سنة طبيعية في الحياة والبشر.


نظام هذه الدول العلماني، ودولة القانون فيها، يحترم آدميتي، وهذا يعني أنه حتى لو كانت هناك شرائح عنصرية في المجتمع، فإن القانون سيقف إلى جانبي ويحميني. ولعل الأهم، أننا هنا إذا عملنا وبذلنا جهداً، فإننا سنحصد ثمار عملنا. في اليمن، أدركت في لحظة فاصلة في حياتي، أني لن أتمكن من النجاح كما أريد، من دون أن أخسر راحة بالي. ولذا، بحثت عن وطن يحميني، ويُمكنني من النجاح، من دون تنازلات لا أستطيع ابتلاعها.

تبنيتِ حملات تضامنية مع كلا من: المدون السعودي المولود في حائل رائف بدوي، والبهائي اليمني المولود في سقطرى حامد بن حيدره... من وجهة نظرك، إلى أي مدى يمكن للناشط الحقوقي أن يكون منصفاً في تبينه الدفاع عن قضايا الحقوق والحريات؟
الحقوقي والحقوقية، هما صوت من لا صوت له في مجتمعاتنا. وعندما يُكتم هذا الصوت عامداً، كما حدث مع المثقف المفكر السعودي رائف بدوي، واليمني الناشط حامد بن حيدرة، فإن أقل ما يجب فعله، هو أن نرفع أصواتنا مطالبة بإطلاق سراحهما، واحترام حقهما في التعبير والتفكير، وُحريتهما الدينية. وهذا يحيلنا إلى سؤالك السابق، عن الإختلاف بين الدول الغربية الديمقراطية والإسلامية. هنا، لا يزج بالإنسان في السجن بسبب دينه، أو بسبب مقالات كتبتها. هذا حق، حق أصيل للإنسان لا فصال فيه.

هل يمكن أن يكون الحقوقي منصفاً؟
سيكون عليه أن يكون ضمير مجتمعه، يتحدث بالكلمة كما يراها، وأن رفضها من حوله، وإن أدت إلى إصابته بالأذى. لكن الأهم، الإنصاف يعني أيضاً أن نقر بالتغييرات الإيجابية عندما تحدث. فالمسألة ليست تعنتاً، ليست إنتقاداً بهدف الهدف، بل رغبة في التغيير السلمي.

حضرتك حالياً تقيمين في سويسرا، ومتزوجة من رجل سويسري. بصراحة هل فكرتي يوماً بأنك ستعودين للعيش في اليمن؟
جاءت فترة فكرت فيها بالفعل في العودة إلى اليمن، وتحديداً بعد أن حصلت على درجة الدكتوراه. لكني تراجعت بعد أن أنجبت ابنتي (هي الآن في الثامنة عشرة من عمرها). أردت لها بيئة تنشأ فيها، تحترم كيانها وكرامتها كإنسان. وعلى الرغم من حبي لليمن، ولأني أعرف أن توفير ذلك سيكون صعباً في صنعاء، اتخذت قراراً بالبقاء في سويسرا، ومعها إدراكي أنها وطني الثاني.

كيف تقضي الدكتورة إلهام مانع أيام شهر رمضان المبارك؟
شهر رمضان هو الأهل والجَمعة والسمر والضحكة. لكن الجمع تفرق، وأنين الانسان في أوطاننا جعل الفرحة مغموسة بالأسى والحنين. ولذا، تجدني أيها العزيز، أبحث عن تلك الذكريات في أغاني قديمة أسمعها، وأنا أعد الطعام، وأختار أنواع محددة من آكلات يمنية ومصرية. لكن رمضان كما عرفته، لا أجده هنا.

كلمة أخيرة؟
أريد أن أؤكد أن التغيير قادم، وأن علينا أن نعمل عليه، حتى وإن لم نراه واقعاً في حياتنا. وأن هذا التغيير يجب أن يؤسس لدول تحترم مفاهيم المواطنة المتساوية، وُتوفر لمواطنيها ومواطناتها المقدرة على الحياة بآفاق مستقبلية، تجعلهم وهن يشعرن بالأمان في أوطانهم. وأن أساس هذا التغيير، يجب أن يقوم على مفهوم المحبة والسلام، لا الكراهية والحقد. ولذا، يحتاج إلى ثلاثة أنواع من الإصلاح، الديني والسياسي والفكري.
(العربي)

ولدت إلهام مانع، في جمهورية مصر العربية، وترجع أصولها اليمنية إلى منطقة بني حشيش، التابعة لمحافظة صنعاء. تنقلت ما بين اليمن ومصر والكويت وألمانيا وأمريكا للدراسة، حتى حصلت على درجة الدكتوراه في السياسات الدولية من سويسرا. عملت في المجال الصحافي في إذاعة سويسرا، ثم في موقع «سويس إنفو» العربي، التابع لـ«هيئة التلفزيون والإذاعة» السويسري. تعمل المانع اليوم، أستاذة للعلوم السياسية في جامعة «زيورخ» السويسرية، وهي عضو في اللجنة الفدرالية السويسرية لحقوق المرأة، إضافة إلى عملها الأكاديمي، تعمل كخبيرة لمنظمات دولية وحقوقية. متزوجة من سويسري، وأم لطفلة، وتقيم في سويسرا بصفة دائمة. لها مؤلفات بحثية وحقوقية بالعربية والإنجليزية والألمانية، فضلاً على روايات باللغة العربية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24