الخميس 25 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
كرب إيل..
الحوثي.. انتكاسة طارئة
الساعة 19:00
كرب إيل..

ماذا لو حلت اللعنة على العالم، وتحقق منطوق الصرخة الحوثية على الواقع، فماتت أمريكا، وماتت إسرائيل، وطاردت اللعنة اليهود في عقر دارهم، وانتصر الإسلام بشكله ونسخته الحوثية..؟ ماذا لو كان الحوثي فعلاً ذا شأن عظيم، ويحظى بتأييد إلهي مباشر لصلة قرابته بالنبي "محمد"..؟

حينها لن يكون أمام المخلوقات، بما فيها الجن والإنس، سوى الامتثال لهذا التشوه العظيم واللوثة العقلية القادمة من كهوف مران. وليس على التاريخ وقتها سوى العودة أدراجه لما يقرب من 1400 سنة وأكثر، فيشهد بقدرة قادر حكيم ذلك التقهقر الرهيب للعلوم والتكنولوجيا، واندحار كل ما نتج عن تراكم التجربة الإنسانية، وما توصل إليه الإنسان على الأرض دفعة واحدة. سيشهد أيضاً دخول كافة الناس أفواجاً في دين أبو جبريل عليه السلام، وها هي الصرخة تجلجل مدوية في أنحاء المعمورة، وبين الحين والآخر يخرج الناس في مختلف دول العالم لتأديتها بطلاقة في الساحات والشوارع العامة.

لن يكون على الناس حينها التفكير بآلية مواجهة الكوارث البيئية والطبيعية، ولن يجهدوا أنفسهم في البحث واكتشاف الأمصال للحد من تفشي الأمراض والأوبئة التي من غير المستبعد أن تعود عملياً إلى الواجهة. عليهم فقط انتظار صاحبهم رجل الكهف، لينظر في الأمر. فهو وحده المعني والأولى بالتعويل عليه في كافة أمورهم. من يدري ربما أمكنه لصلة قرابته بالنبي "محمد"، التوسط لدى السماء لإنقاذ أهل الأرض من الأخطار المحدقة. ليس لهم وقتها أيضاً أن يتضجروا أو يتأففوا من عودتهم للعيش وسط طوفان من القمل والذباب يكتسح حياتهم ليل نهار، وينبغي عليهم التعايش مع الأمر برحابة صدر.

سيشهد التاريخ فعلاً تحول الناس كافة إلى عديمي الحيلة، ومغلوبين على أمرهم، يحلو لهم بين الحين والآخر التيهان في تلاوة ملازم الشهيد القائد أو قرين القرآن - حسب زعمهم - والانهماك الشديد بما تحتويه من خزعبلات وترهات تبعث على الغثيان. وبذلك لن توصف حياة الإنسان على الأرض بغير الهباء العظيم يقتصر فيها اهتمام كل فرد على ترقب خروج الدابة من تحت عباءة الرجل والتأهب ومكافحة الفتن ما ظهر منها وما بطن لحين ينفخ بالصور معلناً قيام الساعة...

أظنه الكابوس الأشد رعباً ذلك الذي بالفعل تدفعنا إليه جماعة الحوثي. بل إنها لتسعى جاهدة وبوتيرة عالية لتحقيقه على الواقع، فهو مبلغهم من العلم، واعتقادهم الجازم بكونهم خُلقوا فقط لأجل ذلك. لذا فإن الرهان على مسألة التوصل معهم لأية تسوية سياسية من خلال مفاوضات، لهو رهان خاسر من حيث المبدأ. أجل. إنهم لا يرون بعيداً عن تلكم الأفكار التي تبرَّزها الرجل في رؤوسهم، ولا يرون غيرهم سوى عدو مهما أبدى من النوايا الحسنة.

هم أيضاً على أعلى مستويات الهمجية للحنث بالعهود ونقض المواثيق، وهو ما عُرف عنهم، سواء قبل خروجهم من مران، أو بعد خروجهم منها ودخولهم صنعاء وانقلابهم. حتى أثناء تحالفهم المشؤوم مع المؤتمر. على العالم بالتالي أن يفهم عدم جدوى المفاوضات مع الحوثي، وأن قبوله الدخول فيها لهو فقط من قبيل المداهنة بهدف كسب الوقت وكسب الولاءات بما يضمن رفد الجبهات.

وعلى الصعيد نفسه، لا يلقي الحوثي وجماعته بالاً لما يتكبده من خسائر في الأرواح. لا يهتم لمن أو لكم قُتل ويُقتل هناك، فالأمر أصبح بطريقة عابثة مبعثاً للتباهي والاحتفاء، فكأنما أوكلت الحوثية بمهمة إيصال أرواح الناس إلى الجنة، وأجسادهم أو مابقي منها إلى مقابر مفتوحة على طول البلاد وعرضها. وكما يلاحظ غالباً في خطابه، إذ يعد خسائره الجسيمة في الأرواح، مكاسب عظيمة! لم لا، فغالبية القتلى من الأطفال وصغار السن، وجميعهم من فقراء هذا الشعب، يتم استدراجهم بأساليب ووسائل مختلفة، ليكونوا وقود حروب معتوهة لا تتقيد بأدنى الشروط الإنسانية.

لا يفقه الحوثي في مسألة إحلال السلام، ولا أساس لهذا المفهوم في قائمة توجهاته، وهو إن تطلع إليه، فليسترد أنفاسه لمواجهة قادمة، الأمر الذي لا يمكن توصيفه بالإصرار والبسالة أو الإقدام والمغامرة، وإنما حالة مرضية أصيلة في السلالة، تتمثل بالميل الشديد لإزهاق الأرواح وسفك الدم، والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك.

يفهم الحوثي في موضوع الكسب والخسارة فحسب بما يخدم مشروعه العنصري والسلالي، وهو ليس مشروعاً بالمعنى، وإنما فوضى فراغية لموروث كهنوتي متخلف يتطلع من خلال مرجعية هجينة للبروز إلى الواقع، مستغلاً الظروف والصدفة. ولو أنه مشروع حقيقي، لكانت له رؤية حداثية يقدم من خلالها الحلول للتدهور الاقتصادي، لا أن يتحول لذلك الغول الذي لا يفتأ يلتهم كل ما وقع في يده وكل ما لقي أمامه من مقدرات الدولة وعائدات مؤسساتها، ما ضاعف من تفاقم الوضع بصورة كارثية.
لو كان تواجد الحوثي كمشروع، لكانت لديه أولويات في إعادة بناء الدولة، ولو بأفكاره، ولأمكنه تحقيق الحد الممكن من الاستقرار والتناغم مع الواقع. لكان عليه الارتقاء بأفكاره ومنطلقاته بما يتلاءم مع أولويات الواقع، لا أن يحاول تقزيم الواقع على قياس تلك الأفكار الضيقة والمنطلقات القميئة.
فإن تواجده على الساحة السياسية يمثل حالة انتكاس طارئة لا شيء يسهم في إطالة أمدها إلا تباين التوجهات والأصوات والمواقف لدى القوى المناهضة لوجوده.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24