الثلاثاء 23 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
تجارة الوهم: 50 مليون ريال سنوياً على الشعوذة بالجنوب!
الساعة 20:02 (الرأي برس - عربي )

لا قوانين تشريعية تمنع ممارسة الشعوذة والدجل في اليمن، على الرغم من الضرر البالغ الذي تلحقه الظاهرة بالنسيج المجتمعي والعلاقات بين الأشخاص. وبحسب مسح أجرته منظمة نسوية أهلية - غير رسمية - في عدن، فإن ما قيمته 50 مليون ريال يمني ينفقها، سنوياً، طالبو «علاج» على جلسات وتعاويذ وأدوية في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع.

وتشير نتائج المسح المثيرة إلى أن غالب رواد هؤلاء المشعوذين هن من النساء، اللائي تلجأ الغالبية منهن إلى الدجالين طلباً لـ«تطويع» الزوج ومعرفة علاقاته النسائية خارج البيت، فيما تتسلل العديد من العازبات خلسة إلى المشعوذين لعمل «سحر» لمن يرغبن في الزواج منهن، وفي كثير من الأحيان انتقاماً ممن اختاروا أخريات بعد علاقات طويلة معهن.


تتعدد أسباب اللجوء إلى العرافين بحسب المعتقدات والقناعات الشخصية، ولا صلة للأمر إطلاقاً بالثقافة والمكانة الإجتماعية؛ فالمسح يقول إن «من بين المترددين على عرافين في محافظة لحج حملة شهادات عليا، وأساتذة جامعات، وفتيات يُصنّفن مجتمعياً من الطبقات الراقية».


يحرص زوار العرافين من مختلف الطبقات على السرية والكتمان، وغالباً ما ينفذ الزائر تعليمات العراف بدقة كبيرة، حرصاً على نجاح الأمر الذي ذهب لأجله. وتتراوح طلبات الزبائن بين السيطرة والتفريق بين أشخاص والهيمنة والتحكم بالمال. وبحسب المسح، فقد يصل ثمن التعويذة في بعض الحالات إلى نصف مليون ريال، وربما أكثر، تبعاً لحجم ومكانة الشخص المراد تطويعه بالسحر.
وللوقوف على بعض التجارب وسبر أغوارها، زار «العربي» أحد الممتهنين السابقين للسحر، وهو شاب من محافظة تعز، فضل عدم ذكر اسمه. برر الشاب ترك المهنة التي ورثها عن والده بـ«قتل الجن طفلي المولود حديثاً والذي تعلّقت به كثيراً» على حد زعمه. وقال إنه كان قد قرر «عدم متابعة استقبال الزبائن، لكن ولإرغامي على العودة إلى السحر والدجل والكذب على الناس، داس أحدهم على طفلي الرضيع وأرداه، ولحظتها عرفت أن هذا الأمر كان عقاباً من الله على خداعي للبسطاء والمساكين، فقررت مواجهة الأمر والتوبة إلى الله، وجئت إلى عدن لاستخراج جواز والذهاب لأداء العمرة أنا وزوجتي المسكينة عل الله يغفر لي».


ولإثبات ما زعمه الشاب، استدعى طفلاً في الخامسة من العمر، وطلب من شاب آخر قريب له، تبين لاحقاً أنه سلفي المنهج، أن يقرأ القرآن على الطفل الصغير. وما هي إلا دقائق حتى بدا للحاضرين أن الطفل الصغير أُغمي عليه وبدأ بالصراخ، قبل أن يشرع في التكلم بلغة عربية فصيحة. سأله الشاب: «من أنت؟»، قال: «أنا صافي»، ثم سأله: «من أين أنت»، قال: «أنا من العراق». طلبت من الشاب السلفي سؤاله عن سبب إجادته العربية، فأجاب: «تعلمت العربية على يد أمي في بغداد، فهي تقوم بتعليم والدي، وهو ألماني، العربية السهلة». قلت للشاب: سله عن أبوه، فقاطعني الطفل مصححاً: «قل عن أبيه». في الجلسة تلك، دار نقاش طويل بين الشاب السلفي والطفل الذي تحول في لحظات إلى خبير بالعربية، وبعدما أفاق حادثته بالفصحى، ولكنه لم يستوعب مطلقاً ما كنت أقول.


بدوره، عبد المنعم، طالب جامعي، يزعم أن والده ظل حبيس غرفته في إحدى قرى الضالع 35 سنة لا يخرج منها مطلقاً. وبعد هذه المدة الطويلة حضر إلى منزلهم في عام 2010م ثلاثة أشخاص يطلبون منهم أن يقنعوا والدهم، المسجون اختيارياً، بمسامحة أبيهم الذي طلب منهم، وهو على فراش الموت، أن يذهبوا إلى والد عبد المنعم ويدعوه إلى أن يسامحه؛ إذ اعترف والد الشبان الثلاثة بأنه هو من «عمل له سحر قبل 35 سنة، وخبأه في موقع حدده لهم». ويتابع عبد المنعم، في حديثه إلى ، «(أننا) توجهنا جميعاً إلى الموقع الذي حدده والد الشباب الثلاثة، وبالفعل وجدنا أوراقاً مربوطة في أكياس بلاستيكية دفنت في جدار بناء قديم، وحينما أتلفناها بطريقة معينة كانت المفاجأة أن خرج والدي من غرفته بعد 35 سنة يمشي على قدميه، وذهب إلى المسجد وأماكن أخرى عديدة وعاد طبيعياً وكأن شيئاً لم يكن».


وتبقى الشواهد الآنفة قابلة للتحليل والدحض من قبل أطباء وعلماء نفس يرون أن هذه الظواهر يمكن تفسيرها علمياً. ومع ذلك، لا يزال الكثيرون في اليمن والعالم العربي ودول العالم يلجأون إلى العرافين والمعالجين بالسحر والقرآن طلباً لعلاج حالات عجزوا عن إيجاد حلول لها لدى الأطباء وذوي الإختصاص. في محافظة لحج، حازت شابة دون العشرين، يقول أهلها وسكان القرية التي تقيم فيها إنها تملك قدرات «خارقة»، وتمكنت من «شفاء» المئات من الحالات المصابة بـ«المس»، و«أعادت الكثير من الأزواج إلى بيوتهم»، و«حققت آمال آخرين»، شهرة واسعة.


تطلب الشابة من زبائنها جلب أشياء معينة، بالإضافة إلى معلومات عن الشخص المستهدف، ومن بين أكثر طلباتها شيوعاً أضحية عبارة عن كبش أو ديك، مقابل أوراق تقدمها لزبائنها مكتوبة عليها جمل وعبارات غير مترابطة أو مفهومة. وتتراوح قيمة الإستشارة بين خمسة آلاف و20 ألف ريال يمني (70$)، فيما تتفاوت قيمة الوصفات المكتوبة والمشروبة والممزوجة بالماء من «معالج» إلى آخر، تبعاً للصيت والسمعة والتأثير.


يروي صديق فنان شعبي مشهور في محافظة لحج أن صديقه الفنان ظل طريح الفراش لا يغادره أبداً لمدة عامين، وقد عجز جميع الأطباء في الداخل والخارج عن شفائه أو حتى توصيف حالته. ويزيد الشاهد، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن «كثيراً من أبناء لحج شاهدوا الفنان المعروف ينهض من على الفراش سليماً معافى، بعد إجبار أهله إياه على تطليق زوجته الثانية مباشرة».


عديدون يترددون على منازل وعيادات أشخاص يمتهنون «العلاج» بالسحر. كثيرون منهم يشكون من أن الحيلة أعيتهم ولم يجدوا علاجاً لدى الأطباء، فيما يشكك آخرون في يقدمون عليه لكنه يقررون أن يجربوا. ولأن اليمن لا توجد فيها قوانين بشأن تنظيم أو منع ممارسة مثل هذه المهن، تتعدد أيضاً الأضرار التي قد يتسبب فيها البعض من الدجالين بوصفهم أنواعاً من الأعشاب ألحقت أضراراً كبيرة بطالبي علاج. يقول محسن، سائق باص أجرة، إن والدته فقدت عقلها بسبب ترددها على عدد من المشعوذين، صوروا لها أوهاماً وأقنعوها بوجود سحر في المنزل، وتحول الشك لديها إلى مرض، سرعان ما تطور إلى اكتئاب وعزلة دمرت الأسرة كلها.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24