الخميس 28 مارس 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
حكايات مسلسلات رمضان تمييع قضايا الشعوب العربية - سهير السمان
الساعة 22:06 (الرأي برس - أدب وثقافة)



من أهم التحديات التي تواجهنا الآن هو الإعلام بمختلف أشكاله وأنواعه، من أخبار وإعلانات وبرامج ومسلسلات وأفلام، وإن ما نراه الآن من تلك المنظومة الجديدة هي القيم الاستهلاكية التي طغت على هذه الوسائل، مما سلب القيمة العليا للفن والثقافة والإبداع،
وغالبا ما نرى في الإنتاج الحالي بكل مستوياته بعدا عن الواقع، بل أصبح هروبا منه، مما طبعه بطابع سريع وزائل وغرض تحقيق لحظات ترفيهية فقط، بمجرد أن يضع المشاهد ريموت التليفزيون حتى ينتهي كل شيء، فلا يخلف ذلك تأثيرا إيجابيا في عقلية المشاهد، بل يختزل أشكالا وصورا لا قيمة لها. 

وهذا ما نلمسه في المتابع لمسلسلات هذا العام حيث يجد في بعض منها بعدا عن القضية الأساسية التي بني عليها المسلسل، فلم يستطع أن يغوص في عمق المشكلة أو القضية بالشكل المطلوب، وأثناء مشاهدتي لمسلسلين أو ثلاثة رغبة مني في إيجاد فن يجعلني أعيش معه وأتفاعل مع أحداثه لم أجد ذلك في الأعمال التي تابعتها، فمن خلال عرض مسلسل (حلاوة الدنيا) الذي يقوم بدور البطولة فيه كل من هند صبري وظافر العابدين ، كنت أتوقع أن يغوص الثنائي في عمق الشخصية التي تجسد الألم، ومعاناة الإصابة بمرض خطير كالسرطان، ولكننا نرى أن المسلسل ضيع قضيته، وجعل من الشخصيات تؤدي مواقف سطحية لا تعكس مدى الواقع الحقيقي لمعاناة هؤلاء المصابين في ظل مجتمع عربي يعاني الفقر والحاجة، فلم تسلط الأضواء على أبعاد تلك المعاناة، وتأثيرها في المريض وفيمن حوله، بل إننا نشاهد البطل هو مصابا بورم خبيث في المخ وكأنه يمارس حياته طبيعيا، إلى الحد الذي يدخن فيه ويشرب الكحول ويسهر في النوادي الليلية، وحتى على مستوى حياته الاجتماعية فهو منفصل عن والده في السكن بحكم غناه الفاحش، وكذلك البطلة المصابة بمرض سرطان الدم، لم تقنعنا بمدى تعاستها، التي يحاول فيها البطل المريض أيضا أن يخرجها من حالتها النفسية التي لم تظهر في الأحداث. 

وعلى مستوى آخر هو العلاقة بين المريضة وأسرتها، فلم نلمس أيضا ذلك الصراع الإنساني الطبيعي بين ضعفه وتشبثه بالحياة الذي يجب أن يكون موجودا في حالة مثل هذه الحالة بين أفراد الأسرة. 

ونلاحظ أن الهروب من القضية الأساسية تصور في تمثله لمظاهر الثراء والترف والحوارات الهامشية التي لا تحقق واقعية المواقف وهذا الحوار لم ينشئ تفاعلا بين الشخصيات والمشاهد، وكأن انفصالا كبيرا بين الشخصيات والواقع والمشاهد. 

وكذلك نجد هذه الملاحظات في مسلسل (أرض جو) للفنانة غادة عبدالرازق، والمسلسل كان من الأولى أن يركز على قضية الإرهاب، التي أصبحت فيما بعد مجرد هامش في أحداث المسلسل، وركزت الصراع بين الأسرتين الناشئ عن قضية بيع المكتبة والتي تعد إرثا للأسرتين، حتى أننا لم نرى من هذه المكتبة سوى محل عادي لا يعكس عراقتها التراثية بالأسرة، ركز المسلسل على الديكور الداخلي والملابس «والإكسسوارات» للفنانات، وديكورات المكاتب والمنازل، بحيث نقل صورة لأسر مترفة وغنية لا واقع أسرة متوسطة تعيش فيها البطلة وتعاني العوز والحاجة وتكد من أجل توفير متطلبات أسرتها، وما نلمسه من خلال هذه الملاحظات البسيطة، أن المسلسلات تنحو بالمشاهد للقيم الاستهلاكية، والمظاهر الشخصية السطحية بحيث تُبعده عن القضية الأساسية التي يجب أن يفهم أبعادها ومسبباتها، وهذا الطابع هو ما نجده في المسلسلات التركية التي تركز على غنى البطل أو البطلة ومشاهد الفلل والسيارات الفارهة فقط، دون أن يكون ذلك موظفا توظيفا فنيا في المسلسل لخدمة القضية المطلوبة. وما ينتج عن ذلك كله هو اغتراب عن الذات والمجتمع، وانخداع لتلك المظاهر.

منقولة من الأهرام اليومي...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24