الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
همدان دماج: ما يزال أغلب المنتوج الشعري المتداول من القصيدة العمودية كلاسيكياً قديماً - محمد الحمامصي
الساعة 13:59 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


 
الشاعر والروائي اليمني يرى أن مجمل المفاهيم والرؤى والتجارب التي تشكل شخصية الإنسان هي نفسها التي تحدد منطلقاته في الكتابة الإبداعية، وأن الشعر هو انعكاس للجوهر الذاتي، وتفاعل النفس والوجدان.

يسعى الشاعر والروائي اليمني همدان زايد دماج في تجربته الإبداعية أن يقدم رؤية فارقة في كل من الشعر والسرد، فاهتمامه بالمفردة وتركيبته الأسلوبية ومعالجاته الإنسانية لما يعتمل به المجتمع اليمني ومجتمعه العربي من قضايا تلقي بظلالها على الذات في رؤيتها للعالم، الأمر الذي شكل له نسجه الخاص.

 

وعلى الرغم من جمعه بين الشعر والسرد حيث أصدر مجموعتين قصصيتين بعنوان "الذبابة" و"ربما لا يقصدني"، ورواية بعنوان "جوهر التعكز" التي فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، إلا أن حوارنا معه كان حول الشعر بداياته وتجلياته خاصة أن ديوانه الأول "لا أحد كان غيري" كان نثريا.
 

** بداية نود التعرف على تجربتك الشعرية؛ ولادتها ومراحل تطورها!
-    أول قصيدة نُشرت لي كانت في صحيفة "الثورة" اليومية، بعنوان "دعني أتحدى وأقاتل" عام 1990؛ لكن قبلها كنتُ قد كتبت -خلال دراستي الثانوية- محاولات شعرية متواضعة أخفيت معظمها في دفتر صغير، بجانب محاولاتي السردية الأولى. كان من الصعب أن تعرضَ محاولاتك الكتابية في تلك الفترة على الأصدقاء وأبناء العمومة؛ خشية التهكم، الذي كان سلاحنا المعتاد ضد كل من تسول له نفسه أن يكتب شعراً أو أدباً – نحن الذين عشنا وتربينا في بيئة تموج بالأدب والشعر وحبهما.
كنتُ حينها في السابعة عشرة من     العمر، وكان نشر القصيدة في أكبر صحيفة يومية في البلاد آنذاك إنجازاً عظيماً وتحدياً كبيراً لمبتدئ مثلي، كما أنه شكل أيضاً البداية الحقيقية لعلاقتي بفن الكتابة عموماً، وكسراً لحاجز التردد. كان والدي هو الذي دفع بتلك القصيدة إلى الصحيفة، بعد أن أثنى عليها صديقه شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح وأجازها. بعدها نشرتُ عدداً من القصائد الأخرى في صحف يمنية، ولاحقاً في صحف عربية، وكانت معظمها تحظى بالقبول والتشجيع من الوسط الأدبي في اليمن، الذي كان يعيش حالة انتعاش حقيقي بعد تحقيق الوحدة اليمنية، خاصة من أولئك الذين كنتُ أعرفهم شخصياً: الدكتور عبد العزيز المقالح (الذي كان وما يزال الأب الروحي لعدد كبير من الشعراء في اليمن)، محمد عبد السلام منصور، خالد الرويشان، كمال أبو ديب، والعم أحمد قاسم دماج، وغيرهم من الأساتذة والشعراء. 

 

بعدها بثلاث سنوات نشرتُ أول عمل سردي، وهو قصة قصيرة بعنوان "الذبابة"،  لاقت ترحيباً كبيراً جداً لم أكن أتوقعه. كنتُ حينها في السنة التحضيرية في جامعة ريدنغ البريطانية، وكنتُ منشغلاً بتلمس أولى خطواتي في بحر التخصص التقني، ووجدت نفسي في متاهات معرفية كبرى، محاولاً التوفيق اليائس بين علوم الحاسوب باللغة الانجليزية، وبين الشعر والقصة باللغة العربية، بين المنطق الرياضي والخوارزميات، وبين الخيال المنطلق بلا حدود. بالنسبة لي لم يكن الأمر سهلاً مقارنة بالبعض، وكنتُ أشعر بوطأة التناقضات الكابحة.
 

في ما يخص الشعر، كنتُ في تلك الفترة قد بدأت رويداً رويداً أستعذب قصيدة النثر، وكنتُ لا أتردد في خوض تجارب كتابية تمزج بين أنواع الكتابة الشعرية، وإن تكلل بعضها بالفشل. وهكذا واصلت الكتابة الشعرية خلال أعوام الدراسة وما بعدها. وفي عام 2013 صدر ديواني الأول بعنوان "لا أحد كان غيري"، الذي احتوى على عدد من القصائد المختارة.
 

 

** هل ثمة مفهوم أو رؤية محدّدة تنطلق منها في كتابتك؟
-    ليس بهذا المعنى المباشر. الشعر، كما أفهم، هو انعكاس للجوهر الذاتي، وتفاعل النفس والوجدان، وبالتالي تكون مجمل المفاهيم والرؤى والتجارب التي تشكل شخصية الإنسان هي نفسها التي تحدد منطلقاته في الكتابة الإبداعية. لهذا تجد أن التغيرات في هذه المفاهيم والتجارب الشخصية تنعكس في نتاجها من النصوص، سواء من حيث المضمون الشعري أو الشكل الكتابي. ستجد في الديوان مثلاً قصائد تتحدث عن اللانهائية وحدود الكون والأسئلة الوجودية، وهي قضايا ربما كنت مشغولاً بها في تلك الفترة، وأخرى وجدانية أو سياسية مباشرة... وهكذا. كما ستجد أيضاً تنوعاً في الأساليب الكتابية، منها ما كان انعكاساً لرغبة تجريبية، ومنها ما كان مرتبطاً بالموضوع أو القضية التي يطرحها النص.
 

بعبارة أخرى، كانت محددات الكتابة الشعرية بالنسبة لي ذاتية وتلقائية، ولم تكن مدروسة. وأحسب أن هذا هو السائد في الكتابة الإبداعية حسب ما أعلم.
 

 

** كيف ترى حضور القصيدة الكلاسيكية وقدرتها على البقاء؟
من سؤالك أستطيع التكهن أن المقصود بالقصيدة الكلاسيكية هنا هو القصيدة العمودية؛ ذلك أن مفهوم "القصيدة الكلاسيكية" يمكن أن يكون عابراً للشكل الذي تُكتب به القصيدة؛ فربما تجد قصيدة حرة لكنها كلاسيكية من حيث الموضوع مثلاً...
 

أما ما يخص القصيدة العمودية وقدرتها على البقاء، فلا شك أن من راهنوا على اختفاء هذا النمط من الكتابة الشعرية قد أدركوا أنهم خسروا الرهان؛ فحضورها اليومي بين الناس، وكذلك ظهورها الإعلامي الراهن في مختلف الوسائط والقنوات الفضائية، يفوق كثيراً حضور القصيدة الحرة أو القصيدة النثرية.
 

طبعاً، إلى جانب جوهرها الشعري والموسيقي المتجذر في الذات العربية، هناك عوامل عديدة ساهمت في الحضور الواضح للقصيدة العمودية اليوم، منها انهيار المنظومة التعليمية العربية المعاصرة، وما ترتب عليه من انحسار للمشروع الثقافي العربي التجديدي برمته.
أنا أعتقد أن ظهور القصيدة العربية الحرة بمختلف أنواعها، بما في ذلك قصيدة النثر، كان انعكاساً مباشراً لحالة من التطور المجتمعي والاقتصادي والحداثة الفكرية والثقافية التي عاشها الوطن العربي لعقود من الزمن، قبل أن يتوقف هذا التطور، وترتد هذه الحداثة على عقبيها.
بالتأكيد، يستطيع النص الشعري في القصيدة العمودية أن يكون حداثياً، وهناك نماذج كثيرة، ودراسات تعنى بهذا الأمر؛ لكن للأسف ما تزال الذائقة الشعرية لمتلقي قصيدة العمود تراوح في مكانها التقليدي، وما يزال أغلب المنتوج الشعري المتداول من القصيدة العمودية كلاسيكياً قديماً، يزاحم بيأس آلاف الأبيات الشعرية العظيمة الموروثة من أكثر من ألف عام.

 

 

** وماذا عن المشهد الشعري الراهن وتفاعلاته في بلادكم؟
-    المشهد الشعري في اليمن يمر بالظروف نفسها التي يمر بها المشهد الشعري العربي عموماً، مع بعض الخصائص المتوقعة بالتأكيد؛ منها على سبيل المثال الحضور القوي والمتصاعد لقصيدة العمود من قبل عدد من الشعراء الشباب المتميزين، والذين سجل بعضهم حضوراً عربياً لافتاً في المحافل الشعرية وبرامج المسابقات الشعرية في القنوات الفضائية. ومن هؤلاء الشعراء من أخذ على عاتقه محاولة التجديد في النص العمودي، سواء من حيث عصرنة الموضوع الشعري أو تحديث الألفاظ والتراكيب اللغوية.
 

كما نجد في المقابل استمرارية واضحة لعملية التجديد والتجريب في الكتابة الشعرية اليمنية المعاصرة على أيدي عدد آخر من الشعراء، سواء من حيث المضامين الشعرية أم من حيث الأشكال والتقنيات الكتابية المختلفة، وهم يقفزون في بعض الأحيان قفزات كبيرة في هذا المضمار، ويحققون نجاحات تفوق ما يحققه أقرانهم من الشعراء في الوطن العربي، على الرغم من أن الأوضاع العامة التي يمر بها اليمن، من حرب أهلية وحالة معيشية واقتصادية منهارة، لا تساعد للأسف في إعطاء هذه الجهود والنجاحات حقها من التقدير والاعتراف. 
 

 

** هل الشعر العربي في أزمة؟ وما هي في رأيك الأسباب؟
-    لا أعتقد أن الشعر العربي بذاته في أزمة؛ ولا أعتقد أنه كان مأزوماً في يوم من  الأيام؛ لكن الإنسان العربي (القارئ/ المتلقي) هو الذي في أزمة اليوم؛ أزمةٌ تفوق كل الأزمات الأدبية والثقافية؛ أزمةٌ حضارية وإنسانية عميقة. كيف يمكن للفنون والآداب أن تزدهر والقارئ/ المتلقي تطحنه الأزمات ويصطاده الموت والخراب؟! أنا لا أتحدث عن القارئ/ المتلقي العربي في الدول التي تشهد صراعات دموية وحسب، بل القارئ/ المتلقي العربي في كل مكان على وجه البسيطة.
 

 

** هل ترى أن النقد يواكب حركة الشعرية العربية؟
-    للنقد الأدبي العربي عموماً إشكالياته التي يستطيع أن يتحدث حولها الباحثون والمختصون، ومن ضمن ذلك النقد الشعري. أستطيع القول إن انحصار الأطروحات والسجال النقدي في فضاء محدود من المختصين والنقاد ساهم في توسيع الهوة بين الطرح النقدي وبين المبدع كمنتج للنص، وكذلك، وبالأهمية نفسها، بينه وبين القارئ/ المتلقي. بعبارة أخرى، لمن يكتب النقاد العرب اليوم؟ هل يتابع المبدعُ الإنتاجَ النقدي ويتفاعل معه؟ هل يصل النقدُ العربي، أو حتى شذرات منه، إلى القارئ/ المتلقي؟ هذه إشكاليات كبرى. هذا بالإضافة إلى الإشكاليات الذاتية الطبيعية للنقد العربي. من المؤكد أن الناقد العربي هنا، مثله مثل المبدع، ضحية للواقع المعرفي والثقافي المتدني للمجتمعات العربية؛ لذا يمكننا القول بأن النقد العربي ما يزال متأخراً مقارنة بمدارس النقد الأدبية العالمية، إلا أنه، نوعاً ما، يواكب قدر المستطاع الحركة الشعرية العربية، على الأقل في ما تتعرض له مجتمعاتها من تحديات مصيرية كبرى.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24