الثلاثاء 07 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عبد الكريم المدي
لماذا اليمن تنهار..؟
الساعة 00:17
عبد الكريم المدي

لماذا اليمن تنهار، وما علاقة ذلك بالخارج ، وهل هناك ملامح من تاريخ العرب تعيد نفسها؟!

إلى جانب صفات الكرم والنخوة والنجدة التي يتّصف بها اليمنيون عبر تاريخهم الحضاري الطويل هناك صفة أخرى أكثر بروزاً وتأثيراً في بنية الفكر والوعي ، بل ربّما إنّها تُمثّل عاملاً مهماً في الاستقرار السياسي من عدمه ، تلك هي العاطفة الدينية الجيّاشة ،المتأصّلة في جينات وفطرة إنسان موطن
ومهد العرب الأول ،وقد لعبت وتلعب هذه الصفة أدواراً فارقة واستثنائية في حياة اليمنيين ، ومن المفيد الإشارة إلى إن هناك تقارباً في كثير من جوانبها بين مختلف الأقطار العربية  ، مع وجود تمايزات معينة .

المهم لاشكّ إن هناك من ينظر لهذا الصفة من زاوية سلبية وهناك من ينظر لها من زاوية إيجابية ، فمن ينظر لها سلباً يستند إلى الأحداث التاريخية الكثيرة التي اثرت على مسيرة الدولة اليمنية الواحدة وضعضعتها ، وخذ لك على سبيل المثال إن الدولة الواحدة هنا في مراحل تاريخية عديدة سريعاً
ما كانت عٌرضةً لتفكّك لعدّة دويلات ، وإن كانت دائماً تعود ويجتمع الناس بعد وأثناء عمليات التفكُّك والصراعات حول اسم واحد هو ( اليمن ) ليبتعثوا من بداياتهم لكن بعد مرثونات مؤلمة من الاقتتال وأنهر من الدماء .

بعد أن ظهر الداعيان للدولة الفاطمية في بلاد اليمن ( أبي القاسم منصور اليمن )  و ( علي ابن الفضل الجيشاني القرمطي ) سنة (268) هـ  الذين دعيا للإمام الفاطمي المستتر في الكوفة ( الحسين بن أحمد ) أصبحت اليمن أربع دويلات هي : الدولة (  الزيادية في زبيد )  ودولة ( بني يعفُر في صنعاء ) ودولة  (بني الرّس في صعدة ) و الدولة ( الفاطمية ) تحت قيادة الداعيين المذكورين .

لقد استفادا ( منصور اليمن  )  و ( ابن الفضل الجيشاني ) من عاطفة اليمنيين الدينية وجمعا أمولاً طائلة وشيدا الحصون والثغور جنوباً من عدن، وأبين والضالع وتعز ، إلى إب وما حولها في الوسط ، وصولا لذمار والشّمال الغربي  في حجة وتهامة ، ولا نغفل في هذا السياق أنهما استفادا - أيضا - في تثبيت وجودهما من خلال توظيف عناصرالتقوى والزهد والورع ، اضافة لعامل مهم هيأه لهما موت الأمير محمد بن يعفُر سنة  (270) هـ واختلاف أهل بيته فيما بينهم .

وعلينا أن لا نستغرب هنا إن الموالي الأحباش إلى جانب استبدادهم  وظّفوا مثل هذه الصراعات والخيانات فيما بين اليمنيين  وتمكّنوا من انشاء دولتهم ( النجاحية ) القوية على انقاض الدولة ( اليمنية ) الزيادية، في تهامة وعاصمتها زبيد سنة (412) هـ  ، وللعبرة لابد من التوضيح في هذا السياق  إلى أن الخيانة والتآمر كان لهما دور حاسم في اسقاط زبيد وتهامة بيد العنصر الحبشي ، حيثُ قام اليمني العربي ( خلف بن أبي طاهر)  ومعه ( الشريف يحيى بن حمزة بن وهّاس ) أمير إقليم عسير بالتآمر على اليمنيين لصالح ( جياش ) الحبشي الذي سيطر سيطرة كاملة على زبيد وتهامة .

اليوم يبد إن التاريخ يعيد نفسه في اليمن خاصّة والعرب عامة، وهاهم اليمنيون يستعيدون ذاكرة الصراع والتآمر والجهل واستدعاء الخارج للإستقواء به في خلافاتهم الداخلية مع زيادة ، أو بتعبير أدقّ دفع ضريبة موجعة لهذا الانكشاف على الخارج يدفعونها من دمائهم ومصالحهم وبنيتهم التحتية ونسيجهم الاجتماعي وتعاييشهم، أما بطل هذا كله ، بالطّبع ، هو الخيانة والفيروس الطائفي والمذهبي / الخارجي ، فالذين يستدعون السعودية ، قطر ، تركيا وحليفها الغربي ، الأميركي مثلاً ،يستدعون السُّنية الوهّابية بفروعها ومسمياتها ودواعشها وكوراثها العصرية ، والذين يستدعون إيران وحلفاءها في المنطقة وخارجها، يستدعون الشيعة بفروعهم وراياتهم وكوارثهم ومسمياتهم من اثنى عشرية وإسماعيلية وعلوية ورافضة وأباضية وغيرها .

طبعاً الطرفان - على الأقل في الحالة اليمنية ويجوز اسقاطها على بقية الأقطار  - يظهران في جميع خلافاتهما الآخذة في التغوّل والتعمّق ، إنهما يبتعدان أكثر وأكثر عن صوت العقل  وعن قيم وروح المذهبين المعتدلين المتعايشين الذين يدّعيان تمثيلهما المذهب ( الشافعي )، والمذهب ( الزيدي)، فالأول يُسمّى (شيعة السُّنة ) والثاني ( سُنّة الشيعة ) .

للأسف الشديد ما يجري اليوم في اليمن وسوريا والعراق ، صحيح له جذور تاريخية معقدة ، لكن ليس بهذا الصورة التي نراها اليوم ، ما يجري حاليا إنما هو جنون وحالة مرضية خطيرة تعاني منها المجتمعات، نشرت فيروساتها وأذكت نيرانها تدخلات خارجية وعربية ذات أبعاد ومصالح متعددة من
طائفية ومذهبية ونفوذ ومخططات استعمارية ذات تقليعات وتقسيمات تفكيكية جديدة غير تقسيمات سيكس بيكو (1919).

ولعل اللافت في الأمر هنا هو أن الكل يتحدث عن شيء اسمه حوار ونقاش ، لكن بطريقته ووفقا لقناعاته المسبقة وخير دليل على ذلك إن الجميع يطرح أفكاراً ، ولا يريد أي نقاشات حولها ،لأنها في الغالب الأعم مرتبطة بمصالح  ومراكز مذهبية واستعمارية خارجية .

وفي كل الأحوال يبقّى المؤكد المؤلم  هنا هو إن الأمة اليوم مقيدة بصراعات عبثية ومصالح خارجية وبفكر رجعي، محنّط  متأخر في كل شيء ، مهمته الأساسية هي تنفيذ أجندة أجنبية ومناهج تقليدية سلفية ، يدفعها بها دوماً لمقدمة اهتماماتنا الجهل السائد والعواطف المتعددة المصادر والفتاوى والأحكام .

أعتقد إنه لا أحد يستطيع انكار حقيقة جهلنا وتخلفنا العلمي وبحثنا عن الأشياء التي لا تفيد ، وفي هذه النقطة تحديدا علينا أن نأخذ كلام الممثلة الإميركية ( هلتون ) التي استضيفت مؤخراً  في برنامج طائرة الممثل المصري  رامزجلال ، ( رامز واكل الجو ) الذي يًنتج في دبي، وفي أكثر تجليات الإثارة فيه أن  أخونا ( الواكل الجو) يرتفع هو وفريق عمله والفنان المستضاف للسماء ومن ثم تهوى الطائرة في سقوط حر مخيف من فوق السحاب فيما عدسة الكاميرا تُسجّل لحظات معاناة الضيف وتنقل ذلك التعذيب السخيف للمشاهد العربي كي يضحك على حالة إنسانية لشخص يّعذّب بقسوة حينما ينظر للموت يتقافز أمام عينه مئات المرات.

تعالوا للمفيد ، في نهاية تلك الحلقة قالت صديقتنا الأميركية  هكذا بالنص  : ( هل عرفتم لماذا يقتل العرب بعضهم ؟) وعلينا هنا أن نربط تساؤلها وكلامها هذا المهم بما قاله أحد الشعراء العرب الكبار ذات يوم  ( يا أمة ضَحِكتْ من جهلها الأممُ ) .

إن واقعنا اليمني والعربي اليوم ليس بحاجة أبداً للفتاوى ولرايات( الإمام ) وخبطات وسلاسل قم والنجف وكربلاء ، وليست بحاجة - أيضا - لفتاوى (المجدد محمد بن عبدالوهاب) وأبو بكر البغدادي وأيمن الظواهري ، بقدرما هي بحاجة لمن يعي مشاكلها وعثرت الإنسان فيها من خلال تجربة ورؤية
وثقافة عصرية ، علمية ، ديمقراطية واضحة ومعتدلة ترفض التمنطق بالطائفة والسلالة والعرق والمذهب والمصلحة التي تُصيب الشعوب بالموت والبؤس وتقتل كل شيء جميل وقيّم في حياتها .

نخلص إلى أنه يجب أن تكون معاييرنا هي الفصل بين المفيد والعبثي ، الشك واليقين ، المستقبل والماضي، البناء والهدم ، الجامد والحي ، الثابت والمتحوّل ، الحياة والموت، في كل ما يهمنا ، في الحضارة والوعي ، مع الاستفادة من التجارب المتراكمة والادراك الصحيح بإن أي ارتباط بالحقائق
المطلقة والمذهب والسلالة والطائفة وشعارات الثورات الوهمية والمنقوصة والمزيفة ، إنما هو الخسران والفشل والاقتتال بعينه .

اضافة أخيرة ،الواقع المعاش يقول إن الجميع تقريباً بدون شرعية ، وخاصة في اليمن ، وبالتالي على أي طرف يتحدث ويتغنى بشيء اسمه الشرعية أن يتأمل في الواقع بشيء من الحصافة والانصاف ، وفي هذه النقطة يعتقد الكاتب الكبير وعميد الصحافة العربية الأستاذ محمد حسنيين هيكل  إن الشرعية أفق يبدأ من أن يرى الناس كيف سيكون شكل المستقبل ، ونقطة تبدأ من القبول بالآخر وتنتهي بما يتمّ التوصُّل إليه ..

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24