الخميس 02 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
الربادي .. ومدينة الأوساخ الطارئة
الساعة 00:13
أحمد طارش خرصان



تعيش إب حياتها منكسرةً ، وفارغةً إلّا من أوجاعها وخيباتها المتلاحقة .
تتأمل بعينين مصابتين برمَد الحماقات الطارئة، والسلوك المستهجن وحيدةً ومنتهكةً ، فيما يتقن الأوغاد التواجد في تفاصيل وجعها وأنينها المتزايد، غير آبهين بتأوهاتها وأرقها المزمن كنتيجة لهذا التواجد غير المروق. 

منذ شهر - ويزيد - تخوض إب عراكاً شرساً ، باحثةً عن أسطوانة غاز ، ودبة بنزين وكيس دقيق ، وبأمل من سيجد ظالته ، ونادراً - وهذا قليل - ما تجد بغيتها وتعود إلى وجعها بفائض حزن ، وتشوهات واضحة في روحها الذابلة. 

ترزح إب تحت وطأة التخلف المسنود ببندقية الإنتقامات المحشوة بالولاءات الوطنية المزعومة ، وتقف مكسوةً بشعورها الذي يحتّم عليها مواجهة الحروب الأسطورية المريبة ، وإضمحلال فرص النجاة وبإدراكٍ ممتلئ باليقين (أن لا حروب سوى حروب البعض ضد البعض الآخر). 

لم تعد إب تهتم كثيراً للإنتهاكات التي تطال أبناءها ، ولم تعد لتنظر إلى رقعة الوجع المتزايدة ، مكتفيةً بالتوصيف المراوغ من كونها ملاذاً آمناً لنازحي البلد ، ومدينة مفتوحةً ، تتباهى اليوم بكونهامدينةً للتعايش والتسامح والمحبة ، وعليها اليوم أن تكون سعيدةً ، بمكرمة الحوثيين ومنجزهم الوطني ، مبديةً كتلةً - لا بأس بها- من الإمتنان ، وكأنه لم يكن لينقصها سوى تعيين محافظ جديد فقط ، علينا أن ننتظر بشغف ما إنجازاته الفيسبوكية وقراراته الورقية ومفاجآته غير المتوقعة ، والرامية إلى إرساء مبدأ التغيير والتصحيح المأمول .

ربما - تعجز - وأنت تفتش في زوايا إب وشوارعها وأزقتها ، عن إيجاد بقايا ذكرى قد تكون كافية لإدراك أن المدينة لم تتخلَّ حتى اللحظة عن الأستاذ الربادي ، وبما يدفع عنك الشعور المحبط والقائل : أن لا وجود لمَ يربط المدينة بالربادي سوى صورته الفوتوغرافية ، التي تواجهك متى دلفتَ المدينة القديمة من بابها الكبير. 

تطل علينا ذكرى رحيل الأستاذ الربادي ال(٢٢) ، دون أن تجد في إب ما يوحي بتواجد روح الربادي في تفاصيلها ، لتجدها وقد أزدحمت - بديلاً عن ذلك -بأرتال من المرتزقة والخونة ، وبما يمكن أن يجعل إب مدينةً صالحة لتكاثر وإنتاج النماذج المتسخة والقذرة من (مشائخ .. مثقفين... كتاب ..قادة.. مسؤولين.. حقوقيين ..أكاديميين ) وعدد لا بأس به من الحمقى والمخدوعين .

في الخامس من هذا الشهر وقبل 22 عاماً ، غادر الأستاذ محمد علي الربادي الحياة ، فيما تبدي النماذج المتسخة اليوم حالةً من الإذعان لقاتلٍ وقاطع طريق ، منحته غفلة التأريخ فرصة التحكم بمصير مدينة ، كانتْ ذات يوم مناراً للحرية والصوت الوطني النزيه. 

ربما سيجد الدكتور - النزيه جداً- أحمد علي عبداللطيف في مكان اختطافه ، الوقت لتذكر الأستاذ الربادي، وسيتشارك والمختطف النبيل رزق القطوي هذه الذكرى ، فيما تسرف الأوساخ في رسم ما يجب وما لايجب على إب أن تفعله ، إزاء كل ما يحدث فيها، وكأن المدينة خلتْ من الرجولة ومن صوتٍ حرٍّ ، قد يوقف زحف الأوبئة من النيل من روح المدينة ، ويمنع الموت من التوغل في كل ذكرى جميلة ورّثها الأستاذ محمد الربادي ،لأناسٍ .....
لم يكونوا بحجم ما تركه الأستاذ الربادي، وأنهم - فيما يبدو - لن يكونوا أكثر من حذاء جاهز تتناوبه الأقدام القادمة بعفونتها ووسخها المتوارث. 

رحم الله الربادي، ولا عزاء لمدينةٍ صارتْ غريبةً في درب الحرية والوطنية الخالصة.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24