الاثنين 29 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أحمد طارش خرصان
عندما تموت المدينة
الساعة 01:20
أحمد طارش خرصان

 

لم يعد لدي ما أكتبه في هذا الليل ، الذي يصلح - ربما - لإلصاق آلاف الشتائم على جدرانه المعتمة وكوابيسه الملعونة.

لم يعد في هذا الليل ما يغري أربعينياً بتقاسم لحظة فرح مفترضة ، والتحدث كفتى ممتلئٍ برغبته أن يكون حزيناً ، ومحطّ شفقة ...لن تنجح في دفْع فتاة ما ، لكي تشاركه حزنه كتضامن إنساني محض ، بعيداً عن مغامرات العشق وأساطير الوله الزائفة.

لا تجد في هذا الليل ما يدفعك لأن تمنح المدينة طمأنينةً من نوعٍ ما ، وسط هذا الكم الهائل من دعوات الموت ، ومداعبات البارود القاتلة ، ولن يكون من اللائق - مثلاً - تذكير الضحية بما يتوجب عليها فعْله  تجاه مدينة ، لم تنبس ببنت شفة حيال كل الممارسات التي تعرضت لها ، وتذكيرها بحرمة الدماء وأهمية السلام ، ورغبة الجميع - حتى الجلاد - في الحفاظ على سلمية المدينة وعدم جرّها إلى مربع العنف والصراع الذي لن يسلم منه أحد. 

يقاسمك الليل ضياعك الواهن الباحث عن بقايا دفء لسيدةٍ ، لم تعد تتذكر المرة الأخيرة التي منحت فيها ما تبقى من فتات  دفئها لظل رجلٍ غادرها صوب جبهة الحرب ، معتقداً- وبمنطقٍ أرعنٍ - أنه سيهبها الشرف الذي كانتْ تأمله ، لتكتشف تحت ضربات الصقيع وأمراض الروماتيزم  ونظرات رفيقاتها ، أنها لم تعد سوى أرملةٍ ، سئمتْ منذو وقت بعيد تكرار سرد مروياتها وحكاياتها المرّة وخيباتها ال...كانت تنمو على إيقاع لهفها المكسور وأنفاسها المحترقة. 

وسط هذا الليل الممتلئ بالأوغاد  والآمال المهشمة ، حيث تلفك العتمة ويغلفك سأم انتظار لصباح مفكك - لن يجيء على النحو الذي تودُّ - تقف عارياً إلّا من فاجعةٍ ، ما زالت روائح الأوغاد عالقة فيها ، وفوهات بنادقهم مصوبةً باتجاه مدينةٍ ، اليوم ..... واليوم - فقط- نقول عنها إنها ماتتْ .

لا أدري ما الذي يغري مدينة كإب بالبقاء هكذا ، وهي تدرك أنها فقدتْ بوصلة الحياة وقواميس الإنسانية -جميعها- ، وكيف يمكنها التأمل بهدوء خانع وجه القتلة ، وهم يمارسون طقوسهم الجهادية بزيف نادر ، وقداسة مستهلكة خالية من الأمجاد المخضبة بدماء مدينةٍ ، كانت تظن أنها نقشت جميلاً دائماً ومروءة أبديةً ، لن يبخل من قَدِمَ إليها في منحها ما تستحقه من الإمتنان والإعتراف بجميل ما منحتْ ، وعظيم ما صنعتْ. 

في جنبات العتمة تشعر بحاجتك للبكاء ، والبحث عن جحر فأر لتدس نفسك فيه ، وفي زوايا القلق ثمة قاتل ومعتوه ، خُلق - فقط - كي يترصد أرواحنا ، ويقتطف عنوة - تحت ولاية الله - مدينة بكاملها ، مطفئاً قنديل ضوئها البسيط ، وعنوان رشدها الأكمل...
سلام عليه متى اتسع الوقت
سلام على ظله في الأعالي
وألف سلام على روحه إذْ تنير الطريق
لمن أزهروا بالأماني العظيمات والأغنيات. 
سلام عليه....
سلام عليه....
سلام عليه.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24