الاثنين 06 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
د/عبدالله أبو الغيث
الملك سلمان واليمن.. ملامح عهد مغاير
الساعة 18:30
د/عبدالله أبو الغيث



   كل الشواهد توحي بأن المملكة العربية السعودية في عهد ملكها الجديد سلمان بن عبدالعزيز صارت على اعتاب عهد مغاير فيما يخص سياستها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية، فذلك ما أدركه المحللون العرب والأجانب منذ اليوم الأول لتسلم الملك الجديد مقاليد السلطة.
 

 فقد حرص الملك سلمان على اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة بتعيين ولي لولي العهد مع وزير للدفاع خلفاً له حتى قبل أن يوارى الملك الراحل الثرى، وكانت تلك رسالة للخارج، بحيث ترسم ملامع العهد الجديد واستراتيجيته الجديدة تجاه الملفات الساخنة، وتوقف حديث الخصوم عن صراع داخل الأسرة المالكة بخصوص انتقال السلطة من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد.

   شواهد كثيرة رصدها المراقبون يوم دفن الملك عبدالله، وأوحت لهم بأن القادم سيكون مختلفاً، فالحلفاء المفترضين للمملكة، وعلى رأسهم قادة دولة الإمارات في إمارتي أبو ظبي ودبي ومعهم الرئيس المصري قد تغيبوا عن تشييع الجنازة. في مقابل حضور زعماء آخرون كانت علاقة بلدانهم مع المملكة توصف بالفتور، وعلى رأسهم الأمير القطري والرئيس التركي.

   وكان غياب حكام الإمارات غير مبرر، نظراً لقرب المسافة التي تفصلهم عن الرياض. ورغم أن الإعلام المصري حاول تبرير غياب السيسي بتواجده في أوروبا، إلا أن نفس الظروف لم تمنع الرئيس التركي من قطع زيارته لأفريقيا والعودة مسرعاً للمشاركة في التشييع.

   حضور السيسي بعد ذلك مع حاكم إمارة دبي إلى الرياض حاول تلافي تلك الإيحاءات التي ولدها تغيبهم في حفل التشييع، ولكنه لم يفلح حسب رأي كثير من المحللين. ورغم قول وسائل الإعلام المصرية بأن الرئيس السيسي قد عقد اجتماعات منفردة مع الملك الجديد ووليي عهده إلا أنها لم تستطع أن تثبت ذلك عبر الصورة واضطرت للاستعانة بصور قديمة حسب الكاتب والمحلل جمال سلطان. إلى جانب ذلك فقد ظلت الأسئلة حائرة عن سر تغيب رئيس دولة الإمارات وولي عهده الممسك بمقاليد الأمور عن زيارة الرياض بعد يوم التشييع كما فعل آخرون.

   ما سبق يجعلنا نتوقع بأن الحلف الذي جمع السعودية بالإمارات ومصر والأردن وبعض الدول الخليجية سوف يتعرض لهزة عنيفة، بحيث نتصور أن السعودية ستفضل على أقل تقدير الوقوف على الحياد بين هذا الحلف والحلف الآخر الذي تتزعمه تركيا وقطر، وذلك سيتطلب منها اتخاذ خطوات إيجابية صوب تعزيز علاقتها بالدولتين الأخيرتين.. ويبدو أن ذلك قد بدأ بالفعل.

   حيث كان واضحاً بأن الملك سلمان قد همس في أذن الأمير القطري بأنه صار في حل من بنود المصالحة التي رعاها سلفه الراحل، والتي كان من ضمن بنودها توقف قناة الجزيرة عن مهاجمة نظام السيسي في مصر وعدم وصفه بالانقلاب، والامتناع عن تغطية الانتهاكات التي تتم ضد المتظاهرين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي، حيث لوحظ أن الجزيرة قد عادت لما كانت عليه قبل المصالحة منذ ذلك اليوم.

    التقاء الدور السعودي مع الدور القطري تحديداً، أو على الأقل عدم تصادمهما، سيكون له تأثيره على الأوضاع القادمة في اليمن، ذلك أن الدولتين تشكلان الداعم الرئيسي لموازنة الدولة اليمنية، وبلغ ما قدمته خلال السنوات الثلاث المنصرمة فقط مليارات الدولارات، بينما تمتنع الدول الإقليمية الأخرى اللاعبة على الساعة اليمنية عن تقديم مثل ذلك العون، وعلى رأسها إيران والإمارات، حيث تنعدم المساهمة الإيرانية، وتقل المساهمة الإمارتية كثيراً عن نظيراتها السعودية والقطرية (تعهدت الإمارات في مؤتمر المانحين بتقديم مئة وخمسين مليون دولار فقط ولم تسلمها)، في الوقت الذي تقدم فيه إيران والإمارات دعم مجزي للحلف الحوثي العفاشي، إيران بدعمها لجماعة الحوثي، والإمارات لتيار الرئيس السابق.

   ويعتقد بأن الملف اليمني كان هو القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يخص الحنق السعودي من حلفاتهم، حيث أقنع أولئك الحلفاء السعودية بأن دعمهم لجماعة الحوثي سوف يقتصر على حركة جزئية تضعف حزب الإصلاح (إخوان اليمن) وتقضي على نفوذ بيت الأحمر، وقد استغلوا من أجل إقناع السعودية بذلك تصريح انفعالي لحميد الأحمر تجاه ما يحدث في مصر، وصف فيه العملية بأنها عبارة عن مؤامرة تحاك ضد ثورات الربيع العربي من قبل دول صارت تدار من مراهقين أو من غرف الانعاش!

   ويبدو بأن الملك سلمان لم يكن مطلعاً على مثل ذلك الاتفاق عندما كان ولياً للعهد أو على الأقل لم يكن موافقاً عليه، خصوصاً بعد أن لاحظ أنه قد انتهي بإحكام جماعة الحوثي لسيطرتها على مفاصل الدولة اليمنية، وأن الخطر الذي صارت تمثله على المملكة أكبر بكثير من الخطر الذي أقنعها حلفاؤها بأن الإصلاح وبيت الأحمر يمثلونه عليها.

   كل ذلك يجعلنا نستنج بأن المملكة في عهد الملك سلمان سترمي بكل ثقلها من أجل إعادة ترتيب أوراق اللعبة في اليمن، وسترسل رسائل واضحة وصريحة وصارمة لمختلف أطراف الصراع، سيذهب أهمها للرئيس السابق صالح بصفة خاصة، تحدد من خلالها الخطوط الحمراء التي يتوجب التوقف عندها، وهو ما نجزم أن يحيى الراعي قد سمع بعض من تلك الرسائل أثناء تزعمه وفداً مؤتمري إلى الرياض لتقديم التعازي في الملك الراحل والتهاني للملك الجديدة، والتنسيق مع الجانب السعودي فيما يخص الترتيبات الجارية حالياً لنقل السلطة في اليمن.

   الخلاصة التي يمكن أن نصل إليها بهذا الخصوص أن السعودية فيما يخص الأوضاع الإقليمية والعربية - والملف اليمني بصفة خاصة – سوف تحرص في قادم الأيام على أن تكون صاحبة الكلمة الأولى في أي تفاهمات، بعد أن كانت في قد صارت مجرد شريك في أجندات خطط لها ونفذها غيرها، وأرادوا لها أن تكون مجرد واجهة يسكتون بها خصومهم، كما حدث مع قطر، وذلك سيحتم على حلفائها القدماء العمل على تغيير قواعد اللعبة، حتى لا يكتشفوا بأن السعودية قد صارت قائدة للحلف الآخر.. ويبدو أن التداعيات فيما يخص هذا الجانب ستكون أسرع مما نتصور.

   ختاماً: هذه قراء سريعة حاولنا من خلالها أن نتلمس ملامح السياسة القادمة للمملكة العربية السعودية فيما يخص الملفات الساخنة في الإقليم، وعلى رأسها الملف اليمني، في عهد الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز، ونحسب أنها ستنتج وضعاً مغايرا لما كان قبلها.. والله أعلم.

 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24