الجمعة 19 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
فايز محي الدين
العائلية والارتجال بدراما رمضان 2017م
الساعة 22:41
فايز محي الدين

بدايةً سألتمس العذر لكل الفنانين الذين ظهروا بشكل مرتبك وهم يؤدون أدواراً ليسو مقتنعين بها تماما، وإنما الحاجة هي من دفعتهم لذلك بسبب الظروف التي نعيشها في ظل حربٍ طاحنة تتداخل فيها الصراعات الأُممية مع المحلية، والتي أنتجت أطراف صراع أتباع. وعلى ذلك فهم معذورون في أداء مشاهد غير مقنعة للمتلقي.

لكن يظل الارتجال والعشوائية هما من تسيّدا كل المسلسلات على اختلاف مشارب منتجيها ومخرجيها، السياسية والأيدلوجية، إذ لم يأتِ عملٌ منها متكاملاً البتة، ولم يستطع واحدٌ منها الاستحواذ على قاعدة كبيرة من الجماهير كما كان يحصل سابقا.

قد يقول البعض ذلك يعود لكثرتها، والبعض يقول لتشتتها بين قنوات متعددة، ولكن الأصح هو أنها لم تمتلك مقومات العمل الناجح، فهو وحده الكفيل بأن يجعل لدى المتلقي حافزاً قويا يدفعه لرصد العمل ومتابعته حيث كان، بدليل ما يتم مع المسلسلات العربية في القنوات التي تعد بالمئات، ومع ذلك يستطيع المتلقي أن يميز الغث من السمين خلال اليومين الأولين من رمضان، ويبدأ حينها الفرز ومتابعة الأجمل.

أن يأتي مسلسل (كله يهون) بجزئه الثاني وقد غاب عنه عدد ممن صنعوا نجاحه في الجزء الأول، ليظهر تلقينياً جافاً كأنه مشاهد لبرامج توعية صحية، فهذا معيبٌ جدا. خاصة وأن عائلة واحدة تسيّدت المسلسل من الانتاج للتمثيل وغالبية الأعمال. 

وهذا بحد ذاته لابد أن ينتج خللاً ما، إن لم يكن بسبب قصور من أُوكلتْ لهم مهام لا تتناسب معهم، فمن الإحباط الذي يصيب بقية الطاقم الفني الذين يشعرون إزاء ذلك بالغبن.

وأن تصل التلقينية إلى حد أن يتم التطاول على أعراض إخواننا في الجنوب فذاك قمة السقوط، فضلاً عن السماجة التي دفعت إلى شتم شركة اتصالات باسمها (سبأفون).
والعجيب أن هذه السماجة تجاه (سبأفون) قابلتها سماجة أشد وأقبح في مسلسل (هفة) الجزء الثاني، حيث يحاول صلاح الوافي (بتاع كله) أن يلمعها بذكر اسمها صريحا ومكررا!!

 فيما تبلغ السماجة ذروتها في مسلسله (هفة٢) وهو يروج لمستشفى بعينه، وبألفاظ مكررة تبعث على الغثيان، لتشعرك بأنك لا تتابع دراما وإنما إعلانات ممولة، حيث أتى ذلك المشهد نشازاً بشكل ملفت وواضح. 

لكن مسلسل (هفة) يظل الأكثر احترافية وإجادة من بين كل المسلسلات، ربما لبساطة تكاليفه التي لم تحتج لتنقلات خارجية، حيث وكل مشاهده محصورة داخل المدينة.

أضف إلى ذلك التجانس والتواءم الذي بدا على كل طاقمه، بسبب حيادية فكرته في ظل الصراع القائم، والتي لا تؤثر على أي فنان إنْ ظهر فيها، رغم أنه يُعرض في قناة محسوبة على أحد طرفي الصراع، وجاء ضمن الفنانين أشخاص محسوبون بمواقفهم مع الطرف الآخر كأحمد المعمري ونجيبة عبدالله.
لكن حيادية الفكرة وإنسانيتها كانت كفيلة بصهر الجميع في بوتقة عمل فني محض.

فضلاً عن أن بساطة المسلسل وانحصاره في مكان محدد قد ساعد على عدم إحساس المتلقي بتباين اللهجات، التي كان يقع في عدم إجادتها الكثيرون، كما في (كله يهون) و (الجمرة) و (حاوي لاوي)، وكون العاصمة هي حاضنة كل اللهجات.

وهنا لا أنسى أن أشيد بمن تخطيا هذه المشكلة باقتدار، وأثبتا أنهما بحق رجال فن من طراز فريد، وهما (عصام القديمي) في دور مطلوب بمسلسل (خاوي لاوي) و(عامر البوصي) بدور بطيشان في مسلسل (الجمرة).

لقد كانا بحق انموذجاً للفنان الناجح الذي لا تستعصي عليه لهجة مطلقا، بدليل إجادة المفردات واللكنة معاً.

ويظل الفنان (محمد قحطان) هو الأقدر على تقليد كل اللهجات وأدائها بشكل لا لبس فيه ولا قصور.

مسلسل الجمرة ورغم إمكانياته المادية ووجود مخرج محترف إلا أنه أتى ركيكاً تعتوره الأخطاء والعيوب من كل جهة.

وربما يعود ذلك لنفس أسباب الضعف التي بدا عليها مسلسل (كله يهون) وهو رغبة فهد القرني أن يكون هو الكل بالكل (بتاع كله) وهو الخطأ الذي بدأ يسير عليه صلاح الوافي وخالد البحري وفؤاد الكهالي.
لهذا جاء مسلسل الجمرة متناقضاً بلكنة ممثليه بشكل مقزز جدا، يشعرك أنك أمام خلطة لوجبة غير متجانسة في مكوناتها أبدا.

أما ما يبعث على الغضب لدى المتلقي هو الاستغباء الذي يتمثل بعرض بضعة أفراد ويقولون عنهم قوم وينسبون لهم غارات وغيرها.

ومثلها عرض أربع غنم وثلاثة خيول وأربع نياق ليقولوا عنها حلال، ويتم الغزو لأجل تلك الغنيمات أو الأربع النياق!! استغباء مابعده استغباء!
والقصور الأكبر اتضح في عدم تعدد مخيمات القبائل، وكذلك بيئتهم، فلم يكن سوى مخيم واحد يتم استعراضه بين فينة وأخرى ومن زوايا مختلفة لإيهام المتلقي بالاختلاف، فضلاً عن العجز في الانتقال لبيئة أخرى من جبال وهضاب المنطقة المجاورة لمكان التصوير لنقل صور مغايرة تدل على التنقل وتعدد الأقوام.

(حاوي لاوي) حاز قصب السبق في ضعف الفكرة وانحصارها بأشخاص محددين، مما يتناقض تماماً وبيئة القرية المتشعبة.

وتشابه مع (الجمرة) في عدم قدرته على حشد طاقم كومبارس مقنع للمتلقي.
لكن يظل لبيئة التصوير التي أتت مغايرة للمألوف، ونقلت صورة رائعة لأماكن جميلة في ريفنا اليمني وبساطة أهله، ميزة لا يمكن نكرانها، خاصة وقد أظهر وجوه جديدة بدت مجيدة لأدوارها لحدٍّ كبير.

وهنا وبعيداً عن الدراما، قريباً منها، لا ننسى أن نشيد ببرنامج (الكاميرا في الريف) رغم فقدان جاذبيته التي كان يضفيها عليه (خالد الجبري) وارتسم بمخيلة المتلقين من خلاله، إلا أن الأستاذ (يحيى إبراهيم) سد فراغاً كبيرا، لم يكن بمقدور أحد غيره القيام به.

البرنامج لايزال يحظى بمشاهدة لا بأس بها، كون نجمه (كمال طماح) قريب من القلوب ببساطته وخفة دمه، فضلاً عن فكرته الخصبة التي تجعل منه أجزاءً لا نهاية لها مثل (فرسان الميدان).. فقط هو يحتاج لنوع من الجدية مستقبلا، والإعداد المبكر، ليكون أكثر إشراقا.

وبالذات لو تم تصوير حلقاته في أشهر الصيف الممطرة، حيث يكون الريف في أبهى حلله وجماله السندسي.
ولن أنسى هنا أن أعيب على كل تلك المسلسلات تهميش وجوه فنية كبيرة على رأسها الفنان القدير/ نبيل حزام، الذي يبدو أنه اكتفى ببرنامجه الناجح (مع النجوم)

ببرنامجه الناجح (مع النجوم) أو كان مشغولاً به، وأمثال علي الكوكباني وعبدالكريم المتوكل ويحيى سهيل وعبدالحكيم الحاج وعادل الحبيشي وعبدالعزيز البعداني، وفوزية وسحر الأصبحي، وانصاف علوي وغيرهم.

ومن العيوب الواضحة للعيان إعادة المشهد الذي تختتم به الحلقة السابقة وبما يصل لخمس دقائق، وأحياناً مشهدين. 

وهذا مالم يحدث بأي مسلسل في العالم!!
ولعلّ انحسار الفكرة بسبب غياب النص الإبداعي الخلّاق، هو ما جعل كل المسلسلات تبدو منحصرة ومحشورة بزاوية ضيقة، ويحاول (المقاولون) عليها أن يوسعوها قدر المستطاع (يمطمطوها) للاستهلاك المادي ليس إلا.
غير آخذين بالحسبان أن هناك جمهور ناقد يستطيع تمييز الغث من السمين.

تحياتي لكل من يتقبل النقد بصدر رحب، ولا عزاء للمتحجرين والمتقوقعين داخل ذواتهم الأنانية المفرطة.

[email protected]

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24