الاثنين 29 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
محمود ياسين
طلب مني تغيير ديانتي إلى المسيحية
الساعة 20:41
محمود ياسين

يمسي العالم فكاهيا عندما تتلقى عرضا لاهوتيا تمام التاسعة  هو يطلب إلي تغيير ديانتي من الاسلام الى المسيحية ، لا اعرف كيف التقط نزوعي المسيحي من خلال مقالاتي كما يقول هو ، انا حقا ابشر بالحب والسلام لكن ليس لدرجة التخلي عن الاسلام ، لأسباب كثيرة ، أولها أن الدين هو الجلد الذي ولدنا به وانني لا اعاني حقا من كوني مسلما وان اظهرت معاناتي الذهنية والوجودية من الجماعات الاسلامية المتشددة ، ناهيك عن أن أمرا كهذا سيدمر روح أبي ويجعله يكرهني بقية عمره ، انا واحد من الذين كتبوا مقالات تبشر بالقيم الانسانية المشتركة لكن ذلك لا يجدر به أن يفهم على أنه شكل من التبشير بالقيم المسيحية حصرا ، المقترح مربك حقا ومناقشته الان مربكة ايضا ، ذلك انه لم يخطر لي الأمر يوما ولا اعرف من دفعه لطرح مقترح كهذا. ، ناهيك عن ان الكنيسة المرقصية لديها كفايتها من الاتباع المؤمنين ولا اظنها بحاجة لكاتب يمني أيا تكن نزعاته المكتوبة الا انه لا يمكنه بحال التفكير في التواجد يوما بوصفه مرقصيا ، يبدو لي الامر مثل مزحة مع اول قراءة لرسالة الأب سامي ، اذ خطر لي انه سامي الهندي صاحبي من شارع العدين ابن الدكتور منير الهندي الذي كان يعالج مرضاه مجانا وانجب سامي لأصادفه لاحقا واشجعه وهو يرسل القذائف الكروية من وسط الملعب في مباريات نادي الشعب ، غير ان لغة الرسالة اكثر تخصصا وانضباطا اصطلاحيا من ان يكتبها لاعب سابق امسى عاقل حارة الان مغرم بعلي صالح ولا ينفك يطلب إلي اعلان التوبة عن ثورة ألفين وأحد عشر وليس ان أرتد مثلا ، أنا وبدونما تمهل رددت بمزاج تهكمي مرح : الأب فوزي ، " أخو سامي الهندي " ، قال الأب سامي انه يكن تقديرا بالغا لما يبذله الأب فوزي من اعمال خيرية في القرن الافريقي وانه سيعود الى الاسكندرية بعد شهرين ، يتحدث بجدية افزعتني ، وبمعلومات لها علاقة بالأخوة المميزين من اليمن ، هذا بالطبع ليس تحريضا ضد احد وانا قد صادفت هكذا موضوعات ومنشورات ليمنيين يخبرون عن اعتناقهم المسيحية ومبشرين بتعاليم يسوع . 

لا اعرف ، أنا حقا واحد من اناس قد ضاقوا بعنف وتعصب الجماعات الاسلامية المتشددة ونزعات بعضها للعنف المباشر واقتراف مذابح ، لكن ليس للدرجة التي اخلع فيها جلدي بما هو عليه ، تذكرت بهلع وانا اقرأ الرسالة كل التفاصيل الحميمة من طفولتي ، الدرجات من بركة الجامع الى المصلى ، وبفزع اكبر تذكرت اواخر السور من نوع ، الكافرين الفاسقين الضالين ، وكأن دماغي على وشك السقوط بين يدي الأب سامي وقيد تصرفه ، فهربت الى الذاكرة البسيطة ، تعاليم المحبة والسلام الانساني ليست حصرا على ديانة ما والهوية ليست حزبا ولا ناد رياضي يمكنك استبداله ببساطة ، انا الان ارسلت لصديقي الحداثي الجانح لتمجيد يسوع ، اسأله ما ان كان قد اقدم على خطوة كهذه او انه اقترح اسمي مثلا ، فأنا وافقته كثيرا على كون يسوع كان قد خاض تجربة الصلب بكل حب ، غير ان ذلك شكل من اطراء نبي او انسان تمجده وتعترف به اعتى جماعات التشدد الاسلامي ، وانه لربما علينا ان نكون حداثيين فحسب ، أجاب الآن برسالة مقتضبة " نبينا الاخير محمود ، اقترحت على الأب سامي محادثتك بشأن عرض وتسويق روايتك الاخيرة فهو يملك واحدة من اكبر مكتبات الاسكندرية ، وليس هذا المقترح الذي لو سمع به الحاج محمد سيتجلط فورا ، وختم رسالته هكذا : هذا الاسلام لم يعد دينا فحسب ، انه هوية وتعريف ، اين تذهب من جلدك ؟ 

لم يجبني الأب سامي بعد ، اذ ارسلت اخبره المقترح بوصفه بائع كتب وليس مسوق ديانة ، اما سامي الهندي فلربما لا يزال رقم بيتهم هو هو الذي كان يحفظه كل مريض في ضواحي اب عن ظهر قلب ، ايام كان سامي يتجول بيننا طالبا أنيقا بابتسامة راهب هندي ونزق تلميذ من حق إب الجديدة مختزلا وسامة الهندي ومتمتعا بميزة تطاير شعره الناعم مع مويجات الريح ، كان وحده الجاهز والمهيأ بأناقته لفكرة المستقبل ، وكنا نرتدي الجنابي من عطلات صف سادس ، ورث احدنا مهنة الطبيب الهندي ، وهو الان يعالج الناس بعناية ودأب ولكن ليس مجانا ، وورث ابن الهندي مهنة ابو هذا الزميل الذي كان عدل قرية ، حتى ان بعضهم كانوا ينادونه الدكتور ، وفي غمرة المرح وحسد تصفيفة شعره المفروقة من المنتصف كنا نناديه " سامي كهاهي،" فيه من روح ابيه ما تبقى من مسالمة وتسامح الطبيب منير الهندي الذي قدم من لاهور الى إب ، وتقبل اللقب دون محاججة باكستانية وما شابه ، غير انه رحل عن العالم تاركا لشوارع العدين الموازية يمننة ابنائه بالطريقة التي تحلو لها ، لا يزال فوزي يشبه " الفراشة" بطل سينمائي من الثمانينات ، اما سامي فلا يشبه احدا كما يشبه العاقل الذي امسى عليه ، شهم ومبادر ومسلح ومرافقين ويمني اكثر من أي يمني يتواجد بالارتجال ويبشر بتعاليم صالح ، الشارع الثالث بترتيب رأسي بموازاة شارع العدين ، والذي بقيت للان اسميه شارع بيت عمي ، هذا ليس هجاء لصديقي الذي كان يسدد من خارج الثمنتعشر وكنت اصرخ بالجالسين قربي في المدرجات : هذا سامي الهندي صاحبي ، والذي كان قبلها يرسل الي في كل اسبوع رسالة إلى القرية مع ابن سواق الصالون محمد علي عبد الجليل ، ولا زلت في صف رابع أيامها ، كنت اشعر انني مهم هكذا وعلى وشك ان أتمدن ، انطق اسمه " سامي" وكأنني الصديق الشخصي والحصري للهند ، كان سامي يفتتح كل رسالة هكذا : صديقي من يقاسمني همومي ويرمي بالعداوة من رماني . 

لا هجاء يا صديقي العاقل فكلنا شركاء وضحايا هذا " اللامعقول"، هو حديث فقط عن كيف انني تلقيت رسالة ما وكيف ان اليمنيين لا ينفكون مؤخرا عن كونهم عرضة لاعتناق تعاليم خليقة باليائسين وقد اضاعواوطن .

اتذكر يا صديقي ونحن على قمة جبل الشجاع عصررمضان ؟ انت اديت السقطة ووصلت على قدميك واندفعت انا بشجاعة القروي المكابر واديتها ، اذكر فقط انني قفزت ، بعدها اضلاع محطمة وبقيت أكز على اسناني وابدوا متماسكا حتى العيد ، ومن يومها وانا أؤدي السقطة وأصل على رأسي في كل مرة .

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24