السبت 20 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
سام الغباري
هوس الثورة !
الساعة 23:42
سام الغباري

- لم يجرؤ أحدٌ منذ خَـلَـق الشعب اليمني وهج حريته في سبتمبر ١٩٦٢م على تسمية ما يقوم به من فِعل مناهض لنظام الدولة العام على أنه "ثورة" ، مثلما تجرأ شباب "الربيع العربي" على ذلك ! ، فقد كانت تلك "الثورة" الأولى على النظام الجمهوري بإمتداد تأثيرها الزمني حتى اسقاطه في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م بزعامة حركة "الحوثيين" التي ابتلعت حاضنتها الثورية المعروفة إصطلاحًا بإسم "التجمع اليمني للإصلاح" .

- خاض التيار الإسلامي في اليمن معركة غير ناضجة مع الكهنوت الإمامي العنصري منذ بداياته الأولى في العام ١٩٤٨م ، عندما اعتقد أنه يقيم ثورة دستورية على حُكم الإمام الراحل "يحيى حميدالدين" ، إلا أن الحقيقة أن "آل الوزير" استخدموا ببراعة التيار الإسلامي "السُنـي" ، والأفكار التحريرية للقضاء على شيخ عجوز طاعن في السن ، أورث مقتله حالة استياء عامة كانت كافية لتقديم أعناق رموز الحركة الوطنية الأحرار إلى سياف ماهر وعديم الرحمة .

- لقد قدّم "آل الوزير" الطُعم الذي يحتاجه شباب الحركة الوطنية المستنيرين ، وهو "الدستور" ، رغبة في تولي السلطة فقط ، ورفضًا لنوايا "التوريث" التي كان الإمام "يحيى" قد عقد العزم بمنحها لنجله سيف الإسلام "أحمد" ، إلا أن التوريث المرفوض آنذاك كان قد تم فعليًا بإنتقال السلطة من عائلة عنصرية إلى عائلة أخرى أشد عنصرية وطمعًا في إطار إمامي محض ،  كما قدّم "عبدالملك الحوثي" ذات الطُعم لقيادات وشباب "التجمع اليمني للإصلاح" الذين مثّلوا حالة الإمتداد السياسي والفكري والشعبي للتيار الإسلامي في اليمن ، استطاع "الحوثيون" اشعال فتنة دامية بين النظام الذي يرأسه علي عبدالله صالح وحلفائه السابقين من قيادات تجمع الإصلاح في مجزرة ١٨ مارس ٢٠١١م الأليمة ، بما جعلها سببًا في تعقيد الحلول السياسية ، وصولًا الى جريمة النهدين التي أحرقت الرئيس "صالح" ومن معه داخل الجامع الرئيسي بدار الرئاسة في صنعاء .

- أمنيات إيقاف توريث السلطة لنجل الرئيس صالح ، ومنع العبث بالدستور القائم انتقلت في حالة الفوضى الثورية التي خلقها الحوثيون من رفض التوريث داخل عائلة صغيرة ، إلى سلالة مريضة تملك في عرقيتها مئات الآلاف من المهووسين بنجوب عِرقهم وتميزه ، كما أنهم يعتقدون بأحقية الولاية الدينية الممنوحة لهم من الله عزوجل ، بل انتقلت عدوى الولاية الكهنوتية لتستثير أغلبية أصحاب العرق الهاشمي في اليمن الشمالي تحديدًا الذين كشفوا عن اقنعتهم الحقيقية بالانضمام المسلح لحركة الحوثيين العنصرية ، وكانت هذه  الضربة القاصمة التي تعرض لها النظام الجمهوري منذ ٥٤ عامًا .

- لم يجرؤ الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي الذي قاد ثورة بيضاء على حُكم القاضي عبدالرحمن الإرياني في العام ١٩٧٤م من التهور بإعلانه "ثورة" داخل الثورة الأم ، فكان دقيقًا في ذلك بتسمية ما قام به على أنه "حركة تصحيح" فقط ، رغم أن الكثير من رموز النظام الإمامي السابقين كانوا قيادات فاعلة في نظامه الجديد ومنهم القاضي عبدالله الحجري الذي تولى رئاسة الوزراء .

- حافظ "الحمدي" على شكل الجمهورية بعد تمكنه من إضفاء بريق لامع لسلطته المستبدة بإعتباره الرئيس الأكثر شعبية ليطغى بدعايته الذكية على الزعيم الحقيقي للجمهورية المشير "عبدالله السلال" رحمه الله .. في هذه الذكريات القصيرة يتضح جليًا أن التيار الإسلامي في اليمن "جسد ضخم بدون رأس" كما كان يصفهم بدقة استاذ العلوم السياسية الدكتور الراحل "محمد عبدالملك المتوكل" ، الذي أراد من خلال "تجمع الإصلاح" القيام بثورة دستورية مشابهة واكثر تطورًا لما حدث في العام ١٩٤٨م .

- هوس الثورة مايزال ذلك الحُلم الذي يتشبث به الإصلاحيون دونما سبب ، يعتقدون أنهم بدونه سيكونون عراة في مواجهة رئيس سابق وحاقد ، إلا أنهم بهذا الإصرار البريء يعيدون صناعة "الهاشمية الناعمة" التي أرادت الوصول إلى غايتها في السلطة والثروة بأقل الخسائر ، غير أن الجناح المسلح والمهووس عقديًا داخل حركة الحوثيين قضى على آمالهم بإعلان اسقاط الدولة في ٦ فبراير ٢٠١٤م ، وتشكيل لجان ثورية عنصرية سلالية في كل ادارات ومرافق الحكومة .

- يراودني كثيرًا سؤال عن ذلك الوحش الذي استطاع الهاشميون إخفاءه في صدورهم كل هذه المدة ، دون أن نراه !!، لقد كانوا حبالى بكائن بشع استقر في أرحامهم اكثر من خمسة عقود ، تنين خرافي احرقهم وأوجعنا ، بالإمكان استخدامه في شقه الإيجابي بإعتباره مبررًا كافيًا لوأد احلام "الهاشمية الناعمة" في استخدامها للمستقبل ، بيد أن المهووسين بـ"١١ فبراير" يرون أن "علي عبدالله صالح" هو العدو رقم واحد ، يشاطرهم في ذلك الحوثيين الذين يشاركونهم "الربيع العربي" ، وما قد يحسب لـ"صالح" أنه الرجل القاسي الذي استطاع توليد الهاشميين وإعلان قدوم التنين !.

- إن احياء ذكرى ١١ فيراير بهذا التشنج المخيف ، والابتزاز المتوحش يجعلنا نفكر بصوت مرتفع عن أسباب إحياء الميت ؟، بما يتيح الفرصة للهاشميين "اللطفاء" الذين تأخروا عن موعد الولادة وهم يرتدون ربطات العنق إلى إعادة تموضعهم بأقنعة زائفة ، فقد كانوا أكثر ذكاءً بإدراك نهاية التمرد الحوثي منذ البداية ، وستمثل لهم ذكرى ١١ فبراير عودة عبقرية بحضور ذهني مخادع يدفع "الحوثي" كحركة  مدانة لتصبح كبش فداء لإنقاذ الهاشمية ، تلك البذرة العنصرية الشريرة بداخل مجتمع قبلي ساذج ، تقوّض هويته التي يصارعها مرة كل نصف قرن ولم يفلح بعد في تسميتها كعدو مبين !.

- زئبقية الهاشميين السُلاليين تتخلص دومًا من التهمة ، وتلقيها في وجه ضحية صغرى ناتجة عنها ، تارة في مصطلح "بيت حميدالدين" أو "الحوثي" أو "شرف الدين" ، دون أن نسأل انفسنا : لماذا ندفع دائمًا ثمن الهوس الهاشمي بالسلطة ؟! ، أليس الأجدر بنا خلال أكثر من مائة قرن من التجارب الدموية أن نعلن اليوم أن الهاشمية كفكرة هي العدو الذي يتنفس لأننا رحماء بها أكثر من اللازم ! ، تلفتوا حولكم .. من يقتلكم ؟ من يُفجّر منازلكم؟ ، من يستعبدكم علنًا؟ .. دقّقوا في ألقابهم ، إنهم هُـم .. حُبًا في الله لا تتواروا خلف ١١ فبراير ، لأنكم تنفخون الروح في جسد التنين مرة أخرى ؟
..
وإلى لقاء يتجدد 

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24