الاثنين 29 ابريل 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
أروى عبده عثمان
في يوم المتاحف العالمي ويوم التنوع ، لا متحف في اليمن ، ولا وطن
الساعة 19:34
أروى عبده عثمان

في يوم المتاحف العالمي ويوم التنوع ، لا متحف في اليمن ، ولا وطن ..يا مارجوري ..
                                                    **
إلى : مارجوري رانسوم ، وكل أصدقاء اليمن من كل الأجناس والأطياف والأديان والمعتقدات والألوان والثقافات .. إليهم جميعاً : ما زلنا نحبكم .. ونتذكر : "كان لنا اصدقاء .. نحبهم " .
                                                    **
" إني أفكر في أطفال مدارس صنعاء وهم ينشدون لي شاكرين " لأني علمتهم شيئاً جديداً " أفكر في شريفة التي أرادت أن تتعلم القراءة ، أفكر في ذلك الرجل العجوز الذي أستند إلى شجرة تحت نافذتي وظل يسمع السيمفونية حتى نهايتها . أفكر في عبدالله الذي لم يكن قد رأى في حياته عملاً فنياً واحداً ، والذي أخذ يرسم بحماسة رسماً كروكياً زاخراً بالحياة والفكاهة .." . "كلوديا فايان" 
                                                      **
عن يمن فتحت حضنها للجميع توزع ضحكات الأنس وتحتفل بحضور القادم ، يمن ومدنها المفتوحة التي لا تسأل القادم إليها ما هويته إلا من باب الشجن فقط ، لم تسأل عن دينه وملته ، ولا ضرورة إدخاله الإسلام ، أمنت الغريب ودعته في كل الصباحات والمساءات إلى فاتحة الإنسان : " عيش وملح " لنسرد جميعنا : سقى الله تلك الأيام الجميلة في اليمن ، وكذا ، وكذا . 

زرتُ أمريكا في 2008 في منحة الزائر الدولي .. ورأيت شيوخاً يتذكرون اليمن تكاد الدمعة تطفر من أعينهم ، وهم يتذكرون شوارعها وأسواقها وخضرة أرضها وقلب إنسانها البسيط ، وهو يحتفي بالزائر : " حيّا ملان الدنيا" .. 

الغربيون ليسوا لعنة ، وليسوا الجحيم والشر ، لقد عاشوا بيننا ، سنوات طويلة بعضهم أعتبر اليمن بلاده ولم يبرحها منذ طفولته إلى شيخوخته ، لكن عندما ضاقت فرص التعايش مع استهدافهم بكراهية وطائفية ( الإسلام – السياسي) ، الذي لا يألوا جهداً في الإفتاء والتجييش في الإعلام والمساجد والمدارس بأن الأجانب هم الشر ، والكفار ، يجوز قتلهم وخطفهم ، وطلب الفدية والصرخة عليهم بالموت واللعن .. للأسف إنه زمن سيد "القرآن الناطق " .. كل ما فعلوه : غادرونا بسلام ، واحتفوا بالأجمل : الإنسان - الذاكرة .. 

عقود من الزمن .. أولادنا وأهلنا يتلقون في بلدانهم أرقى العلوم وقيم الأنوار من الإخاء والحرية والمساواة ، يشتغلون ويبرزون في أرقى الشركات والمستشفيات ، بل والمراكز السياسية العليا ، ولم يسألوا ، من أنت ؟ هويتك ، يكفي أن تكون إنساناً ، مواطناً كونياً تتمتع بالحقوق والواجبات مثلك مثلهم ، مقابل إنساننا الناقص مواطنة والهارب من تقاتل أيدولوجيات الدين والسياسة وما خلفتها من حروب ودمار وجوع وحصار وأمية فارطة .. 

كم رأينا من أناسِ وجمعيات ومؤسسات من جنسيات مختلفة ينشئون الصناديق ، والتبرعات لإغاثة اليمنيين في السلم وفي الحرب ، من سد الجوع ، إلى التعليم ، والصحة ، ومعالجة الفقر ، الى : أوقفوا الحرب ، ليحيا اليمن 2016.

في صعدة ، التي تم بتر عرق الإنسان فيها لصالح صرخات الموت واللعن للأمريكان واليهود واليمنيين ، ولكل مخالف .. كم من السياح والباحثين وصلوا إليها قبل أن يخلق "عويلة الصرخة / ناطق القرآن " ، كم مكثوا في رازح ، ومنبه والمدينة القديمة وو..الخ يكتبون ويؤلفون ، ويصورون ، ويستكشفون الأرض البكر : سيخبركم الآباء والأجداد أن أقدامهم مازالت ملتصقة في "دهوان" ، مطبوعة في قلعة "حُرم"و"ضحيان "و"منبه " .. فقط اتركوا أجدادكم يروون لكم الحكايات ، وعن صديقة صعدة ، الباحثة البريطانية التي وصلت في سبعينيات القرن المنصرم إلى رازح على الحمير ، ودرست وبحثت ، وكتبت أهم الكتب عن المجتمع في صعدة ..

أيها الصارخ بالموت والفجيعة لليهودي والأمريكي ، واليمني ، قبل أن تفتح بارود الصرخة القادمة من العصور الموغلة في القدامة ، اقرأ وانظر صورتك وصورة بلادك الجميلة الواسعة في عيون الأصدقاء / الأطباء الذين كانوا يزودونكم بالفيتامينات لتقيكم سوء التغذية وتحرك النبض في عروق الحياة ، ولا تنسوا أمصال اللقاحات للأمراض القاتلة التي استوطنت رؤوسكم والبطون ، أولئك الذين كانوا ومازالوا يجملون وجوهكم ووجوهنا في المحافل الدولية ، ويقيمون المعارض والفعاليات لوجه اليمن الجميل ،بل كتبهم وأرشيفهم اليوم في متاحف العالم يؤمها ملايين البشر من كل الجنسيات ، ويعرفون اليمن بوجهها المؤنسن من خلال تلك الأبحاث والصور والفعاليات ، وليس من خلال : الصرخة ، وآيات الجهاد والجهاد المضاد.. 

قيل لي أن أولئك الأصدقاء مازالوا يبعثون سلامهم وأشواقهم الحارة لكل قادم إلى اليمن ، وينادون العالم لوقف الحرب ، وبالسلام لليمن وأهله .. 
                                                        **
ومن منا لا يتذكر الطبيبة المشهورة والأنثربولوجية "كلودي فايان "ويدها السحرية التي لم تعالج الأسرة الحاكمة فحسب بل والفقراء . ومن مثلها آلاف كلودي فاين .. الذين تفانوا ، وأسسوا عشرات المراكز الطبية في كل اليمن ، تذكروا أطباء مستشفى جبلة وإبرائهم عللنا ، وكيف جازينهم بالقتل في أبشع جريمة شاهدها التاريخ ، ولم يثأروا ، ولم يمتنعوا عن مد الخير والعون ، وتذكروا المستشفى السويدي " النقطة الرابع" في تعز ، وكيف إلى اليوم مازال يقدم الخدمات لأطفال تعز ، وعشرات مثل هذه المراكز الصحية. 

نخجل كثيراً ، عندما نقرأ حميميات المكان والإنسان في كتابة مئات السياح والعلماء والعاملين في اليمن ، وهم يستعرضون ذكرياتهم ، ويقهقهون ، ويتألمون .. مررت هنا ، ، سكنت هنا ، وفطرنا البرعي في سوق الملح ، وشربنا القهوة عند السائلة ، اشتريت عقد الكهرب من باب اليمن وباب الكبير ، والسوق القديمة في صعدة ، وحراز ..الخ .وأكلت ملوج الشعير والسلتة في القاع ، واللحوح في المحويت ، والصيادية في عدن وخبز الطاوه في تعز وفتة التمر في تهامة والهريس في حضرموت .. 

في يوم المتاحف العالمي 18 مايو ، واليوم العالمي للتنوع الثقافي 21مايو استحضرت بقوة صورة الصديقة مارجري رانسوم ورفاقها وعشرات الأجيال من الباحثين والباحثات والسياح الذين سكنوا ومروا من كل شبر في الأراضي اليمنية التي صارت اليوم ضاجة وزاعقة بكل أنواع الموت والدم والتخوين والعنصرية والفتن الطائفية ليس للأجانب فقط بل ولكل اليمنيين .. 

أتذكر مارجري رانسوم ، وهمها الكبير في إبراز التراث الثقافي اليمني المشترك الأجمل بين اليمنيين والعالم ، أتذكر تفانيها في دراساتها المختلفة عن المصوغات الفضية ، بل وإصدارها الكتب التي تعد مرجعا هاماً لهذه الحرفة التي تكاد تندثر إن لم تكن قد اندثرت ، خصوصاً مع التهجير والتطهير الذي أجتاح اليهود في صعدة ، وعمران ، ومناطق كثيرة في اليمن ، والذين كانوا وما زالوا المتفردين في صناعة الفضة بأصولها اليمنية القديمة .. 

في يوم المتاحف العالمي ويوم التنوع 21، يبقى السؤال :هل سنجرؤ على التحديق في وجوه من ساهموا في مد يد الحياة لنا في الكتابة ، والصورة ، والفيلم ، والأطروحة..الخ ؟إن ضاعت عليك صورة مفارق عزيز فتش عنه في البوم أحد الأصدقاء الغرب ستجده حياً ، وبالمثل لو اندثرت مدينة ، وتحفة ، وحرفة ، ووجه امرأة طمست ملامحها بالعورات ، اقلب الصفحة التالية من سفر الذاكرات ، ستجد الفيلم وحياة النساء والرجال والمجتمع يتحرك ويحيا ويتعايش ، بلا فصل واستئصال وبلا خطيئة ، نحن الذين أضعنا حياتنا الطبيعية في كهوف المنع واللاءات ، وتحصنا بالزيف والأيديولوجيات والمقدسات التي تتكاثر لتطمسنا ، وتعلمنا بالواحد المتماثل حد الفناء .. صورنا معلومة في كتبهم ولوحاتهم المنتشرة في كل أصقاع العالم تحكي عن ، شعب يحاول أن يعيش ، تطمح أجياله من زمن الجمهورية إلى الألفية الثالثة 2016 للحصول على أبسط الحقوق بل الحق الطبيعي للكائن الحي : حق الحياة ، وحق المواطنة ، وحق التعليم ، والحق في أن يغدوا إنساناً . . 

ذلكم اليمني وتلكم اليمنية الذين " يضربون القملة بصميل" ويضرب الصخر ليتحصل على رزقه الحلال ، قوته وقوت أولاده في ظل اللادولة والحرب والجوع والحصار والتهجير والتطهير واللاموسيقى واللامتحف ..الخ .

صديقة اليمن وجارة الفضة ، مارجري رانسوم مازالت تكتب عن اليمن وتوثق صناعة الفضة ، ويقال أنها تريد أن تعمل متحفاً لهذه الصناعة الفريدة المرتبطة بيهود اليمن ، الفصيل الذي أنقرض في هذه البلاد بفعل حملات التهجير والتطهير "المقدس" ، مع أنهم سكان اليمن الأوائل واليمن موطنهم منذ بدء الخليقة .
ها نحن ندفع الفاتورة الباهظة من دمنا وأرواحنا ومن يمننا ، فاتورة مغادرة الألوان ، فاتورة التعايش ، وقانون الإنسان في كل زمان ومكان " العيش والملح " ..

في اليوم العالمي للمتاحف ، واليوم العالمي للتنوع ، أهل اليمن بما كان يطلق عليهم ذات يوم " أهل الحكمة " يدفعون ثمن حروب لاناقة لهم فيها ولا جمل .. تشن عليهم باسم المقدس ، هذه القداسة التي تنهينا كل يوم ، وترجعنا إلى جد الكهف الأول ، حيث الجغرافيا المغلقة ، والفقر المزمن والجوع والخوف والهلع من أي جديد قادم ، ندفع فاتورة تجريف الفن والثقافة والموسيقى والدين الفطري الغير مسيس ،والكتاب والمجلة والصحيفة والريشة ، والرقص ، والأزياء ، واخفاء الوجه ، والمشقر ، والضحكة ، واللعب ، والكهرب والمرجان ، والنقشة البوسانية ..

                                                       **
مُخافسة لمارجوري الغالية :
أولاً : أهمس في أذنك المحلى بقرط فضة يهود " حبان " ، لم يعد الآخر هو الجحيم والشر ، بل الداخل والجار والأخ ، والأبن والصديق هم الجحيم ، الكل يطهر الكل والجميع بالجميع ،" حروب من طاقة لطاقة " العبثية . 

ثانياً /في يوم المتاحف العالمي، واليوم العالمي للتنوع ، لا متحف في اليمن ، عدا تلك البيوتات التي يطلق عليها متاحف اليمن ,, وهي مغلقة ، ومزنرة بالجندرمة .. فكل مليارات الدولارات صرفت منذ 1962 على هباء الحروب واليمن بلا متحف ، سوى متحف الحرب المفتوح على الإنسان وذاكرته ، وتجريف التنوع الذي كان يجمعنا.. 

ياااالله ، كيف تراجعت عقولنا ونفوسنا لتنهي قيم العيش والملح ، ليحل محلها "حيا بمن شمه بارود "، و"لبيك ياجهاد "، و"حنشان الضمأ ".. التي كان من المفترض تكون في المتحف قبل ألف عام ، وحضرت اليوم لتغلق ماتبقى من كهرمان ومرجان وعقيق هم : مارجوري وكل مارجوري في العالم .. في اليمن وخارجه .. 

سلاماً علي مارجوري ، وكل من سكن ووطئت أرضه اليمن ريفاً وحضراً من أي جنس كان ، ولون كان وأي ديانة ومعتقد ، وبلا دين أيضاً ، بأي فكر كان سوى أنه إنسااااااان .. سلاماً عليهم على عدد البشر والشجر والحجر .. وعليكم السلام ..
وإلا كيف تشوفوووووا؟

                                                       **
مارجوري رانسوم هي الآن :
- تقيم معرضاُ للنسيج والفضيات اليمنية في شيكاجو ، وقبلها كانت في نيويورك وبوسطن وواشنطن 
- وهي من ضمن مجموعة المحامين من أجل السلام .
- تبحث عن متحف تودع وتعرض مقتنياتها من الفضة والنسيج اليمني .**
الشكر الجزيل للأستاذ والباحث القدير ، وزير الثقافة والإعلام السابق : محمد أحمد جرهوم الذي وافاني بالمعلومات ..

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24