الخميس 02 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عماد زيد
الأردن.. ياقوتة زرقاء في بساط أبيض!!
الساعة 00:57
عماد زيد

ما أن تلفظ كلمة عمّان حتى ترى بأن الحالة التفاعلية لحركة الميم داخل الكلمة تؤكد حتماً تذوقك لشيء رائق.. لترى نفسك في محاولة الإبقاء على ذلك الزم لحواسك قبل مغادرة الكلمة ومغادرة حلاوتها.. 
هو تذوق حسي لا شك.. لمدينة لا تحتاج أدنى جهد لإبراز روعتها..

منذ الوهلة الأولى لحضوري إليها حتى أعترتني لحظة دهشة لم تزايلني سريعاً بقيَّت معي وبقيتُ معها حتى غادرت هذه المدينة التي خلفتني عاشقاً واعياً لم يجد ارتباك أثناء البوح بمشاعرة..
هي مدينة بيضاء تمتد على سفوح بيضاء منبسطة كانبساط كف الأم لحظة عطاءها لأبناءها.. 
لقد شعرت الآن أنني ذاهب عنها فهل تعي ذلك؟!

لاشك أن التماع أشفار العين وأنا أنظر لتذكرة المغادرة تجعلها تسبل معانيها أمام أحرفي حتى زيارة أخرى.. 
مدينة عمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية علمتني كيف أمد يدي لغيمة بيضاء تعتلي البحر الميت حاملة كتلة ضوئية من التفاؤل.. علمتني كيف أتطين بترابه قبل أن أبحث عن حالة غوص فتأبى مياهه إلا أن ترفعني مخبرة أياي بأن الأشياء الجميلة في هذا البلد الجميل كلها ظاهرة على السطح.. لا شيء هنا يخفي نفسه سوى ذلك الجسد الهزيل الذي ما أن أغتسل بمياه البحر حتى عاد اللمعان إليه كخنجر يماني أصيل أعيد العناية به بعد أكتشافات أثرية لبلدٍ موغل بالتاريخ..
لن أدع هذه الحروف تجعلني أغادر البحر الميت الذي وجدت نفسي كلوح خشبي على أديمه يأبى الغرق.. لقد هدهدتني مياه كأرجوحة لطفل لم يبلغ الوجع بعد.. وما أن خرجت من مياهة حتى أغتسل خلدي من أوجاع العقد الثالث من العمر.. 

كم هو جميل أن تفرد أطراف جسدك مستلقياً على ظهرك ناظراً إلى السماء قائلاً: عناية الله أحرسيني من الغرق في شهوات الدنيا كما يفعل هذا البحر.. لقد وجدت سر الله فيه.
كم أن الدنو الذي ينأى عن الذل رفعة.. والتكبر غرق.

بعيداً عن إطلاقية القول والوقوف على معيارية النسبية.. أتذكر بأنني كتبتُ في سنوات سابقة.. بأن العلو أقتراب من روح والسقوط أغتراب في مادة.. في مقال لي عن الروح والجسد.. 
فها أنذا الآن أتمرغ في طينتي الأولى بحثاً عن روح.. 

ها أنا الآن في أدنى رقعة من الأرض في البحر الميت مستحظراً قول المولى عز وجل يخرج الحي من الميت.. فهل خروجي منه حياة أخرى أم بقاءي فيه موت آخر..
سأختار المعنى الأول لقد وجدت نفسي في حياة أخرى وها أنا الآن أسبح في بركة عصرية على علوٍ منه.. أنني أغتسل من الملح الذي غسل طينتي وأوجاعها.. 
لقد تعجبت من البحر كيف يغسل عينيه بالملح
كيف يبث التحايا
تعجبت جداً بعد أن أغدق الماء وجدي.

                *****

قبل يومين وبمعية سيارة صفراء يقودها (ماهر دواغره)
كان لنا زيارة لأهل الكهف وصلت إليه قبيل الغروب لأرى كيف الشمس تقرظهم ذات الشمال.. وصلت على باب مغلق وشمس مغطاه بمنخفض مناخي يوحي بأقتراب سقوط الثلج كان الجو بارداً ولم أسمع نباح هناك.. لقد توقف الزمن هنا وكذلك أطرافي.. وقفت على الباب في انتظار أحدهم أن يأتي لفتح الباب.. غير أن الباب ظل مغلقاً حتى انتهينا من صلاة المغرب.. وما أن دخلنا بصحبة قيّم الجامع في الجوار حتى تفاجأت بخبر أن هذه قبورهم.. كان في البال أنهم أحياء وأن بعثهم كما ذكر في القرآن الكريم هو بعث منام لا بعث موت.. كنت أؤومن أن ثمة حجب تحجبنا عنهم لا غير وقد تكون جُدُر مثلاً.

أثناء دخولنا الكهف شعرت بالدفئ الذي كان قد خففه قليلاً الجاكت الذي أعطاني وضاح الجعد وبقاء أمي إلى جانبي.. لم أقرأ دعاء القبور أثناء الدخول ولم أخلع حذائي كما لم يفعل قيّم الجامع ذلك.. أكتفيت بالتلفت يمنة ويسره بحثاً عن ذلك الجدار الذي يحجبهم عنا فوجدت في الجهة المقابلة للباب لوح زجاجي في داخلة آنية فخارية يخبرني القيم أنها حاجياتهم لقد كانت آنية باردة ليس فيها طعام.. أخبرت القيم أين عملتهم أين ورقهِم كي أذهب إلى المدينة لأحضار الطعام لهم.. غير أنه أكتفى بعد قبورهم الذي توزعت على يمين الكهف وشماله بطريقة مخاتلة لا تعرف من خلالها عددهم..

لأخرج من الكهف ولا يجوب في خاطري سوى قوله عز وجل أنهم فتية آمنوا بربهم.
سلمتُ لوالدتي DVD شريته للإطلاع على الأماكن الأثرية في الأردن.
كان قد جاب في خاطري بأن هناك دول كثيرة تقول بأن الكهف وأهله فيها.. غير أنه لا يوجد فيها منطقة أسمها الرقيم باستثناء الأردن ولنزاهة المعلومة لم أقرأ عن هذه المناطق التي تقول بعض الدول بأن أهل الكهف فيها حتى أتأكد من صحة المعلومة من عدمها.

على كل تبقى بعض الدول العربية كهوف لأبناءها حتى أمد بعيد لغياب المواطنة المتساوية فيها. 
يوم غد وهو اليوم الأخير في الأردن سأذهب بمعية السائق ماهر إلى المسرح الروماني سنسرح ونمرح فيه وسأسمع الأصداء هناك بأنني لا زلت هنا.

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24