السبت 04 مايو 2024 آخر تحديث: الأحد 11 فبراير 2024
عبد الباري عطوان
“كوباني” الصغيرة
الساعة 14:47
عبد الباري عطوان

شهران من القصف الجوي والهجوم البري لم يخرجا “الدولة الاسلامية” من “كوباني” الصغيرة.. فكيف سيكون السيناريو في الموصل والرقة؟ وهل سيشهد يوم الاحد انقلابا في الاستراتيجية الامريكية؟

لا بد من التحلي بأصول المنطق، والابتعاد عن المكابرة والاعتراف دون تردد، بأن القصف الجوي الامريكي الذي دخل قبل ايام معدودة شهره الثالث، لمواقع “الدولة الاسلامية” وتجمعاتها في العراق وسورية، لم يحقق اي من اهدافه في اضعافها حتى الآن على الاقل، بل بات يعطي نتائج عكسية تماما، ابرزها تخفيف الضغوط على قوات النظام السوري في جبهات القتال، والصاق تهمة، “العمالة” وافتقاد المصداقية، بالمعارضة السورية المسلحة والمعتدلة، مثلما صرح لمراسل صحيفة “الفايننشال تايمز″ البريطاينة السيد احمد ابو عماد المتحدث باسم حركة “حزم” التي تلقت دعما عسكريا وماليا من الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج العربي، في تقرير مطول نشرته (اليوم) الخميس.

فعندما تستطيع هذه “الدولة” ارسال خلية انتحارية الى قلب مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق التي نعمت بالامان على مدى عشر سنوات، وتفجر سيارة مفخخة يقودها انتحاري امام محافظتها، تقتل اربعة وتصيب العشرات، وعندما تستطيع قواتها، ودون اي غطاء جوي، الصمود لشهرين في مدينة “عين العرب ـ كوباني” السورية، فهذا يعني انها لم تضعف او تتراجع، وانما تتقدم فعلا.

                                                         ***

فاذا كان “الحسم” الامريكي المدعوم بطائرات من احدث ما يوجد في الترسانة الامريكية من طرازات، ومقاتلين من البشمرغة والجيش الحر ووحدات الدفاع الكردية ما زال صعبا بعد شهرين من القتال والقصف باعتراف معظم الخبراء الاستراتيجيين فكم سيستغرق الامر لاستعادة مدن مثل الرقة او الموصل او دير الزور؟
نحن لا نمجد بـ”الدولة” وقدراتها، وندرك جيدا انها ما زالت حديثة العهد، ولا يمكن ان تقارن قوتها العسكرية بقدرات امريكا العظمى والتحالف الخمسيني الذي شكلته (امريكا) لمواجهتها ويضم خمس دول عربية، ولكننا نحاول ان نرسم صورة للواقع كما هو دون بهرجة، في ظل كم هائل من المعلومات المغلوطة والمضللة.

لا ننكر مطلقا ان القوات العراقية حققت تقدما على بعض الجبهات حيث نجحت في كسر الحصار الذي كان مفروضا من قوات الدولة على مصفاة بيجي التي تنتج ستين في المئة من احتياجات الشعب العراقي من المحروقات، وهذا تقدم لا يجب انكاره، ولكن ما زالت هناك اخفاقات سياسية وعسكرية، فعملية اعادة تأهيل الجيش العراقي لم تبدأ بعد، والثقة في حكومة السيد حيدر العبادي لم تكتمل رغم مرور اكثر من شهر على تشكيلها، ومسألة بناء قوات “حرس وطني” او “صحوات” من قوات العشائر تواجه بفتور وبالكثير من السخرية”.

الاستراتيجية الامريكية في العراق وسورية، وليس تجاه “الدولة الاسلامية” فقط قد تتغير كليا، ولا نستبعد اقدام الولايات المتحدة على ارسال قوات برية الى العراق.

نقطة الصفر في هذا الاطار المفاوضات الجارية حاليا بين ايران والدول العظمى الست حول البرامج والمفاعلات النووية الايرانية وانتاجها من اليورانيوم المخصب، وهذه المفاوضات التي بدأت جولتها الاخيرة في فيينا وتنتهي يوم الاحد المقبل، تقف حاليا على حافة الانهيار الا اذا جرى الاتفاق على تمديدها وهذا احتمال جدا ضعيف حتى الآن.

الانهيار يعني العودة الى التوتر العسكري، ومرحلة ما قبل الاتفاق الامريكي الايراني الذي جرى التوصل اليه في مباحثات سرية في مسقط، حيث كان الحوار بالغواصات، وحاملات الطائرات، والسفن الحربية، وبيع صفقات تسليح لدول الخليج بأكثر من 130 مليار دولار استعدادا للحرب التي جرى تصويرها بأنها حتمية في حينها.

اما التوصل الى اتفاق، فقد يعني تحول ايران الى القوة الاقليمية العظمى والحاكم الفعلي في المنطقة التي يعتمد عليها الغرب في ادارته لشؤونها (اي المنطقة) وحفظ الامن فيها.
الانفراج في الازمة الداخلية الخليجية الذي انعكس في اتفاق الرياض “التكميلي” لا يمكن النظر اليه بمعزل عن تطورات المفاوضات هذه، فهو مؤشر قوي على ما يمكن ان يحدث في المرحلة المقبلة حيث ستكون ودول الخليج حتما لاعبا رئيسيا في حالة التوتر او حتى الحرب، وضحية كبرى في حال التوصل الى اتفاق.

                                                        ***

فمن يتابع الهجمة الدبلوماسية الامريكية الحالية على تركيا يمكن ان يكمل عناصر الصورة التي تحدثنا عنها آنفا، ففي الوقت الذي يغادر فيه جون الن المبعوث العسكري للرئيس باراك اوباما انقرة، يحط الرحال فيها نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدن في زيارة تستمر ثلاثة ايام تدور كلها حول كيفية مواجهة “الدولة الاسلامية” فهل ستكون الشروط التركية التي طالب الرئيس اردوغان بتلبيتها قبل اي انخراط في هذه المواجهة في هذه المواجهة على قمة جدول الاعمال؟ وهل جرى تأخير التجارب معها متعمدا انتظارا للمرحلة المقبلة وتطوراتها؟
في تقديرنا ان المشاركة التركية من عدمها ستتضح في الايام القليلة المقبلة، وعلينا ان لا ننسى مطلقا ان انقرة عضو مؤسس في حلف “الناتو”.

ثلاثة ايام حاسمة في تاريخ المنطقة سلما او حربا، فعندما يقول جون كيري وزير الخارجية الامريكي انه لا تمديد للمفاوضات النووية ولا بد من اتفاق يوم الاحد، فان علينا ان نضع ايدينا على قلوبنا تحسبا للأسوأ على المدى القصير وربما الافضل على المدى الابعد، ولا شيء يمكن استبعاده في منطقتنا التي تعتبر الوحيدة في العالم التي يصعب، بل يستحيل التنبوء بمفاجآتها!

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحافة 24